الإخوان .. و مثلث الأقطاب

الفوز الذي حققه الإخوان المسلمين في العالم العربي خلال السنوات القليلة الماضية يدلل مما لا يدع مجال للشك أن لهم حضور قوي في المجتمع و تغلغل مدروس في جميع المكونات الرئيسة للبناء السياسي العربي عبر التواجد الملحوظ
في النقابات و التجمعات المهنية المتعددة و القطاعات العسكرية الدفاعية و الهجومية و الداخلية.
فهيمنة حماس و هي التكوين الإخواني الفلسطيني على جزء رئيسي من الكيان السياسي الفلسطيني الغير كامل و الدور الكبير الذي تقوم به في مسألة المقاومة السياسية و العسكرية لفكرة التطبيع و الصلح مع العدو الصهيوني يوضح أن وجودها في المسرح الفلسطيني ليس مكملا لصورة منظمة التحرير الفلسطينية التي تجمع تحت لوائها النضال الفلسطيني بكافة أطيافه بل هي بديل لفكرة الكيان القطري و الدولة المسخ كما يرونها و هو بديل له من الأتباع و المؤدون ما يمكن اعتباره جيش شعبي جديد تم تجييشه عبر خذلان المنافس لسنوات و عبر تغلغل واضح في أهم وسائل الإعلام الثورية كقناة الجزيرة و غيرها.
في أعقاب الثورات العربية التي ابتدأت في تونس شهدنا و لازلنا نشهد تزايد الهيمنة الإخوانية و التي يبدوا أنها لن تتوقف عند هذا الحد بل قد تكون مجرد البداية لديناميكية جديدة من الصراع الشعبي و تبدل في الخطاب الثوري، فبعد أن كان الشعب يريد إسقاط النظام بدأ صعود نجم الخطاب الإسلاموي و ذلك في مزيج المطالبات الشعبية و هو المزيج الذي أصبح اللحن المفضل لكثير من من يخطط استراتيجيا لهذه المنطقة من دول جلها من خارج المنطقة و المحيط العربي.
إن التحالف الذي أوصل الإخوان في كل دول الربيع العربي هي تجربة حماس التي أثبتت لبراغماتيي العالم أنها تجربة صمود لا تنكسر و بالتالي فإني التعاطي مع حقيقة المنطقة تتطلب بناء تحالف جديدة مثلث الأقطاب و مكون من كل من إيران و أمريكا و الإخوان، و هو التحالف الذي يعترف ضمنيا من قبل أمريكا أن الهيمنة الاقتصادية و الاستراتيجية التي تهدف لها لن تتحقق إلا من خلال الاتفاق مع القوى الفعلية على الأرض و التي صنعت نفوذها و سيطرتها عبر المواجهة و التكوين الذاتي و الشعبي لا القوى الكرتونية التي خلقتها أمريكا ذاتها عبر سنوات و المتمثلة في أنظمة عربية سياسية تعلم أمريكا جيدا أنها لا تملك في تكوينها الداخلي أي مقومات للصمود أمام التحديات السياسية و الشعبية الحقيقية.
في مصر وصل مرشح الإخوان المسلمين لكرسي الرئاسة بعد أن سبق ذلك سيطرة لأغلبية واضحة على البرلمان و الذي حل بأمر عسكري في محاولة لخلق توازن في القوى الداخلية بعد المؤشرات القوية التي كانت ترجح فوز مرشح الإخوان محمد مرسي بالرئاسة و ذلك بدلا الانجراف خلف هيمنة حزب واحد على مفاتيح السياسية المصرية الخارجية منها و الداخلية.
الإخوان المسلمين ليست جماعة قطّرية تهدف لعقد تحالفات مع القوى الأخرى بهدف السيطرة على دولة أو كرسي بل هي تكوين عالمي يهدف إلى فرض وجوده عالميا كقوى موازية لأمريكا و روسيا و إيران، و ذلك في تكامل عضوي مع الدور التركي و الذي يعد المحرك الأول و الكفيل و الراعي لمشروع استنهاض الدولة الإسلامية وفق النموذج العثماني، فزيارة أروغان الشهيرة لمصر في أعقاب تنحي الرئيس المصري السباق حسني مبارك و خطابة الخاص بعلمانية الدولة الإسلامية ما كان إلا المنصة التي من خلالها أعيد تلوين الواجهة الإخوانية في العالم الإسلامي بحيث تتماشى ببراغماتية مع المتطلبات الدولية التي من خلالها ستصل لتبوء مكانتها الطبيعية بين الدول الحاكمة عالميا و هو ما تسعى إليه تركيا و باقي التكوينات الإخوانية في جميع الأقطار العربية.
ما يجمع الإخوان ككيان عالمي و إيران رغم الاختلاف الجذري في كثير من القضايا الفكرية و العقائدية هو مبدأ التقية و الذي يبدو جليا في نهج الطرفان سياسيا، فالدور الذي يقوم به الإخوان و الخطاب السياسي الذي يعنون أهدافهم السياسية تدلل على أنهم في معظم تحركاتهم يخفون ما يبطنون و لا أدل على ذلك من موقفهم المبدئي من العمل السياسي في مصر حينما أعلنوا أنهم لا يرغبون في دخول المنافسة على كرسي الرئاسة و قاموا بعد تغلغلهم في البرلمان بعكس ذلك تماما، و هو تحرك من الناحية السياسية لا يمكن إعتباه عيبا أو تجاوزا حيث أن السياسية بطبيعتها تعتمد مسرحا للمناورة و التجمل دون الكذب و التحايل بالعبارات و المواقف و بناء التحالفات و إن كان مع الشيطان كما يقال.
يبدو أن هناك شبه اتفاق على توزيع المنطقة العربية جغرافية بين إيران و الإخوان على الأقل في المدى المنظور، فالعراق و البحرين و سوريا و لبنان هي مناطق هيمنة إيرانية بينما دول شمال أفريقيا و مصر و الأردن و باقي دول الخليج تبقى مناطق سيطرة إخوانية، لتبقى اليمن منطقة تجاذب و مقياس حرارة التحالف بين الطرفين.
تخوف الكثيرون من وصول الإخوان للحكم فخرج الكتاب و السياسيون و الجماعات الفئوية و العرقية و الفكرية يحذرون من أن العالم سيتحول إلى تجسيد من نوع آخر لدكتاتورية دينية و إرهاب عقلي سيجعل من الأمة العربية و دولها المتناحرة صيد سهل في أيدي الأعداء من صفويين و يهود، إلا أنهم يتناسون في ظل الهوجة الصوتية التي أصبحوا جزء منها أن من خلق الدكتاتوريات السابقة هو ذاته من يأتي اليوم ليخلق من جديد دكتاتورية إقليمية جديدة و لكن بلون و طعم و شكل جديد و أن الإرهاب الذي يتخوفون منه كان فيما مضى يسمى في تكويناتهم الغير إخوانية مقاومة و جهاد، و أن التناحر الذي نتج في الماضي سيتحول اليوم تماسك تحت لواء أخ أكبر ملتحي، و التخوف من أن نكون صيد سهل في أيدي الصفويين و اليهود فإن ذلك ليس بالأمر الجديد، فمنذ أن خلقنا بإعلامنا بعبعا اسمه إيران و تحاشينا مواجهة إسرائيل من منطلق الصلح خير فإننا بذلك خلقنا بأيدينا في أعين القوى الحقيقية في العالم اسم جديد للقوة الفعلية التي تحكم المنطقة و بالتالي تنازلنا عن دورنا الكرتوني، فعالم السياسة و التحالفات لا تعترف بالصداقات و التوافق الفكري بل تعترف فقط بمنطق القوة و القدرة على تحريك الشعب و بالتالي الاقتصاد، و في عالمنا اليوم لا بد من الاعتراف بأن القوى الحقيقية ليست بيد العرب حكومات و عسكر و أحزاب، بل في يد جماعة اسمها التنظيم العالمي للإخوان المسلمين و دولة فارسية اسمها إيران.


أرسلها عبر الفيس بوك
انشرها عبر تويتر

عزيزي زائر المدونة أشكرك على تلطفك بالمحافظة على النقاش الهادئ و المتزن و الهادف للإستفادة و الإفادة. تحياتي ... ياسر

One response to “الإخوان .. و مثلث الأقطاب”

  1. Morton Ellstrom

    I simply want to mention I am beginner to blogs and honestly savored you’re web-site. Almost certainly I’m planning to bookmark your website . You actually come with terrific article content. Thanks a lot for sharing your website page.

اترك تعليقاً