بين روتانا و الأهرام و ميردوخ

المقال منشور في جريدة البلاد السعودية

هزت فضيحة تنصت جريدة (نيوز أوف ذا ورلد) على المكالمات الهاتفية لأكثر من 4000 بريطانيا الأوساط الغربية خلال الأيام الأخيرة، وذلك نتيجة ما يمثله التنصت في عقلية الغربي من تعدي على حق الفرد في الخصوصية ورفضه التام لأي شكل من أشكال الرقابة والتدخل في الشأن الشخصي للفرد.

هذة الفضيحة والتي قد تراها مجتمعات أكثر تبعية أنها أمر لا يستحق كل هذه الضجة، وكذلك كما يراها بعض الإعلاميين ممن يرون أن رقابة الناس والتنصت عليهم هو أمر مقبول في العمل الاستقصائي الذي يكشف المستور ويحاسب الناس على أعمالهم، خصوصا في حال كان هؤلاء ممن يتمتعون بالأضواء من المشاهير والشخصيات العامة والتي يفترض بها – حسب رأي البعض – أن تكون منضبطة و أقرب إلى الكمال الإنساني.

القضية الأخلاقية التي أصبحت مثار تحقيق موسع في بريطانيا ليست بالضرورة موضوعنا اليوم، فقد كتب الكثير ونشر ما يمكن أن يكون مرجعا دقيقا لكل ما حدث ويحدث علي مدار الساعة بهذه القضية، إلا أن ما يهمني في الموضوع هو تأثير هذه القضية على العمل الإعلامي بشكل عام والعربي منه والمحلي بشكل أدق،

فمثل هذه القضايا عندما تحدث و تنتشر تفاصيلها تؤدي دون شك لفتح الكثير من الأبواب التي يعتقد البعض أنها أقفلت أو نساها الناس أو لم تعد تعني الكثير.روبيرت ميردوخ رئيس مجلس إدارة نيوز كوربوريشن، وهي الشركة المالكة للصحيفة مثار الفضيحة قرر إغلاق الصحيفة بعد 168 سنة من انطلاقتها من دون أن يبرر الأسباب، إلا أنه يسعى كما يقول البعض لدفن الأدلة الحية لهذه الفضيحة،

لعل في ذلك شيء من إنقاذ ماء الوجه وستر ما انكشف و أصبح معلوما، وهو قرار يوضح بجلاء كيف يمكن لبعض رجال الأعمال المتنفذين أن تلغي قراراتهم تاريخ وسيرة وماضي متأصل في المشهد الإعلامي للدولة و بـ “جرة قلم” كما يقال دون أن يكون هناك أي اعتبارات لقيمة هذه الصحيفة التاريخية ومكانتها الشعبية.فضيحة (نيوز أوف ذا ورلد) تذكرني بفضيحة الأهرام المصرية قبل عام

حينما فبركت صورة للرئيس المصري السابق حسني مبارك بحيث يظهر متقدما على الرئيس أوباما ورؤساء آخرين كانوا معه في الصورة، حيث خرج رئيس تحرير الصحيفة بعد اكتشاف الفبركة بعذر أقبح من ذنب حينما حاول تبرير الفضيحة بقوله إن “الصورة التي نشرتها للزعماء المشاركين في إعادة إطلاق عملية السلام، هي صورة تعبيرية، وتؤكد دور الرئيس مبارك في تحقيق السلام”،

وهو أسلوب تعودنا عليه من بعض القيادات الإعلامية العربية التي تحاول أو تداري الفضيحة بفضيحة أكبر، فتبرير رئيس تحرير الأهرام هو دليل أنه يعتقد أن الناس أغبياء ولا تفهم وبإمكانه وأمثاله أن يمرروا أعذارا سخيفة على الناس بدلا من محاولة الهرب، إما بالاعتراف بالخطأ أو على الأقل الهرب بذكاء مهني يحترم الناس وعقلياتهم.

ربما يتذكر الكثيرون ما أثاره خبر قيام شركة نيوز كوربوريشن بشراء ما نسبته 9،9 من مجموعة روتانا الإعلامية من التكهنات حول حقيقة هذه الصفقة وما إذا كانت جزءا من عملية تهدف لغزو ثقافي من نوع سياسي لمجتمع طالما كان يرفض التغيير القادم من الخارج، واليوم نتساءل عن مستقبل هذه الصفقة التي لم ينتج عنها حتى الآن إلا تصريحات من هنا ومن هناك.

ولا أعلم إن كان في الأيام القادمة سيقوم الإعلام الغربي بكشف بعض من أوجه (نيوز أوف ذا ورلد) في عالمنا العربي خصوصا في وقت أصبحت المؤسسات الإعلامية المختلفه تواجه مشاكل مالية نتيجة انحسار تأثير الوسائل التقليدية في وجه الإعلام الإلكتروني والاجتماعي، ونتيجة المشاكل السياسية التي تعصف بالعالم العربي مما أدى إلى إعادة هندسة الصرف الإعلاني وفق بعض الأسس التي يرجعها البعض لمحركات عقائدية وسياسية ومناطقية،

وهي الأسس التي إن لم تحدد الوسائل الإعلامية موقفها منها ستصبح عائمة من دون مساند ومعلن.الدور الذي يلعبه الإعلام في تحريك السياسة والسيطرة عليها أصبح اليوم أكثر وضوحا بعد تكشف تفاصيل فضيحة (نيوز أوف ذا ورلد) والتي بينت القدرة التي وصل إليها الإعلام في السيطرة على رجال الدولة والحصول منهم على معلومات سياسية وعسكرية وأمنية غاية في السرية،

وهو الدور الذي أصبح تهمة وفضيحة يعمل من يعمل اليوم على أن تستغل لعودة مبررة لما كان عليه الأمر في السابق من سيطرة سياسة أمنية على الإعلام وذلك كما يقول معارضو محاكمة ميردوخ والذين يبررون في محاكمته بأنها ستعيد هيمنة الدول والحكومات من جديد على الإعلام وتحد من حرية التعبير ومراقبة المال العام وتدفق المعلومات بحرية، وهو الجدل الذي سأترككم معه لتفكروا فيه جليا


أرسلها عبر الفيس بوك
انشرها عبر تويتر

عزيزي زائر المدونة أشكرك على تلطفك بالمحافظة على النقاش الهادئ و المتزن و الهادف للإستفادة و الإفادة. تحياتي ... ياسر

One response to “بين روتانا و الأهرام و ميردوخ”

  1. Carroll B. Merriman

    I simply want to mention I am just all new to blogging and site-building and honestly enjoyed this page. Very likely I’m planning to bookmark your site . You amazingly have terrific posts. Bless you for revealing your web-site.

اترك تعليقاً