المقال منشور بجريدة البلاد السعودية
من خلال متابعتي لكثير من الدراسات و البحوث العلمية التي تجريها مراكز الأبحاث المتخصصة والتي تتناول بالتحليل أحداثا جارية أو تستقرئ أحداثا محتملة سياسية منها واقتصادية وإعلامية واجتماعية، أجد أن مبادئ رسم السيناريوهات الافتراضية المبنية على أسس وأرقام وتحليلات منطقية يعد
أساسا في العملية وخصوصا في تلك الدرسات التي تستقرئ المستقبل بهدف تطبيق مخرجاتها والسيطرة على العوامل المؤثرة و تحقيق الأهداف المأمولة.
رسم السيناريوهات الافتراضية هذه تتضمن في أهم مكوناتها عملية (تحليل المخاطر – Risk Analysis) والتي يمكن فهمها على أنها منهج علمي لدراسة العوامل المحيطة بهدف الخروج بتوصيات علمية تساعد متخذي القرارات في المجالات المختلفة على اتخاذ خطوات عملية تكون مدروسة، تدفع نحو تحقيق النتائج المرجوة، وهي وسيلة حسابية في الغالب تتبعها كثير من الحكومات في عملية بناء القرار السياسي، كما تساعد كثيرا من الشركات العملاقة في وضع سيناريوهات مدروسة لاستثماراتها المختلفة وفق المنطق الرياضي في قياس العوامل السياسية والاقتصادية المحددة والمؤثرة في النتيجة النهائية، فهي تدرس مثلا التحولات السياسية وقضايا الإرهاب والحروب والأزمات المالية والاقتصادية والبيئية، كما تعمل من أجل تحقيق ذلك باستخدام عدد من الآليات منها التحليل المالي والتقييم السياسي وتحليل السمعة وإجراء الاستطلاعات الأمنية ووضع خطط إدارة الأزمات.
و قد تبادر لذهني نتيجت ما نعيشه نحن البشر هذه الأيام من ثورات على المستوى الفكري نتيجة التحولات العديدة التي تحيطنا من تعدد مصادر المعلومات وتحولات سياسية من هنا وهناك وتغييرات إصلاحية داخلية وخارجية وتحولات أساسية في طريقة النظر للمجتمع باعتباره مؤثر ومتأثر بالحالة السياسية والاجتماعية، أقول تبادر لذهني أن عملية تحليل المخاطر التي تتبعها الدول والشركات العملاقة بهدف تطوير أدائها أصبحت لزاما علينا نحن الأفراد و ذلك إن كنا نسعى لأن يكون غدنا أفضل من أمسنا، فماذا لو حاول الفرد تطبيق بعضا من الطرق العلمية في تحليل المخاطر على نفسه بحيث يدرب منذ مراحل دراسته وتكون اهتماماته واتجاهاته بدراسة وتحليل لسيناريوهات واقعية لحياته ومحيطه بهدف تحديد مساره المستقبلي الشخصي والمهني، أليس في ذلك ضمان بعد توفيق الله في أن يكون اختياره المهني ناجحا بصرف النظر عن التأثيرات السلبية والمشاكل المتعلقة بمحيطه والتي ليس بمقدوره تغييرها ولكن بمقدوره إن كان قد خطط وفق تحليل للمخاطر المحتملة تجاوزها و عدم الخضوع لها.
وماذا لو قام كل مسؤول في وزارة أو دائرة على تطبيق تحليلات علمية لمخاطر الأداء على ذاته وعلى مرؤوسيه بكل ما يحيط ذلك من إشكاليات تتعلق بمعوقات اجتماعية ومهنية منها ما أصبح عائقا للتقدم كالإهمال وغياب حس المسؤولية ومنها ما تجاوز ذلك بأن أصبح مرضا فتاكا ينهش في جسد الوطن والمواطن مثل الفساد والمحسوبيات والواسطة المقيتة.
لست مثاليا حينما أصور مسألة أن الإنسان بصرف النظر عن خلفياته الاجتماعية لديه المقدرة في السيطرة ولو على جزء من مستقبله بعد توفيق الله بطبيعة الحال، و لن أكون مبالغا حينما أقول إن الفشل والنجاح في أساسه ينبع من الشخص ذاته بصرف النظر عن محيطه، وإن كان محيطه له تأثير عليه ولكنه يبقى بحدود، فكثير من النوابغ والمتميزين والناجحين والمؤثرين كانوا من خلفيات اجتماعية قد لا تكون مثالية وداعمة بالضرورة لهم، بل ربما على العكس كانت محبطة لهم ومعارضة.
القول بأن تحليل المخاطر يبقى دوراً يجب أن تقوم به فقط الحكومات من منطلق مسؤوليتها تجاه مواطنيها هو أمر صحيح في المجمل ولكن ذلك مرتبط بالفرد كونه جزءا من كيان ومجتمع كبير، أما تحميل فشل الفرد على الحكومات فهو الخطأ بعينه، لأن محرك الفشل أو النجاح في الفرد هو نابع من محركه الداخلي و مدى قدرته واستعداده على المضي نحو ما يدفعه نحو النجاح أو ما يحبطه فيفشل، فحينما يتميز أحدنا فإن الفضل فيه قبل كل شئ لله ثم للفرد ذاته لقدرته على تجاوز المخاطر وتحمل الصعاب والتخطيط السليم.
كنت في الماضي أشكك في مدى إمكانية أن تكون عملية تحليل المخاطر قابلة للتطبيق على الفرد إلا أنني أصبحت مقتنعا الآن بأن النظر للحياة باعتبارها مشروعا يهدف للنجاح و التعاطي مع متغيراته و مؤثراته يجب أن يكون وفق الأسس التحليلة المنطقية، فدراسة وتحليل المخاطر المحيطة بالشباب من الجنسين مثلا من حيث كوننا نعيش أزمات مرتبطة بشح الوظائف الإدارية وانخفاض مستوى الرواتب لحديثي التخرج قد يدفع تحليل الفرد للمخاطر هذه للتوجه في مستقبله نحو التخصصات المهنية التي يوجد فيها وفر وطلب والتركيز أيضا على بناء الخبرات العملية أثناء مرحلة الدراسة وذلك من أجل حل إشكالية انعدام الخبرة وبالتالي ضعف الرواتب المتوقع في السنين الأولى من العمل، ومن إجل اختصار سنين التأهيل العملي والإسراع في عملية الارتقاء الوظيفي والمالي.
تحليل المخاطر كمنهج عملي إنساني أري فيه أهمية كبيرة في زمان مثل زماننا الذي لا تتوقف فيه المفاجآت عن الحدوث على المستويات جميعها، فبدون شيء من الإرشاد المحايد والعلمي ستستمر معظم قراراتنا ارتجالية تعتمد على الحدس من جهة وعلى الحظ من جهة اخرى.
Thank you, I have recently been searching for info
about this subject for a while and yours is the best I
have came upon so far. However, what concerning the conclusion?
Are you certain concerning the supply?
I simply want to say I’m beginner to weblog and honestly enjoyed your web page. Very likely I’m likely to bookmark your site . You really come with fabulous articles and reviews. Thank you for sharing with us your website.
مدونة ممتازة ومقال رائع شكرا لك اخى وبالتوفيق …