في مثل هذا اليوم قبل واحد وثلاثون عاماً اجتاح صدام حسين دولة الكويت في خطوة عُدّت اللحظة المفصلية التي انقلب فيها حال العالم العربي من حال إلى حال، فمن عاش تلك الفترة ومن درس التاريخ جيداً يتذكر أن في القمة العربية التي سبقت الاجتياح ببضع أشهر كان العالم العربي في أقرب نقطة إلتقاء لحل كل الخلافات العربية العربية مع بقاء إشكالية واحدة دون حل، تلك التي كانت تتعلق بالتوتر بين صدام حسين و حافظ الأسد في الصراع النابع من أساس الخلاف الحزبي البعثي بين اليمين العراقي واليسار السوري والذي أصبح ماثلاً للعيان منذ اللحظة التي وصل فيها صدام للحكم في عام ١٩٧٩، وما مجزرة التصفية السياسية التي خلفها إجتماع قاعة الخُلد الا خير دليل على ذلك الصراع الحزبي بين الدولتين، أو على الأقل هذا ما حاول صدام حسين إسناد السبب إليه.
البعض اليوم من الشباب العاطفي يجد في شخصية صدام بطلاً همام و زعيماً واجه المد الصفوي بالقوة و العزم، متناسياً أو متجاهلاً أو جاهلاً بأن هذا الطاغية الذي يعتبره بطلاً كان على وشك المضي بمشروعه الإجتياحي نحو الأراضي السعودية ومنها ربما لباقي الدول الخليجية، فصدام الذي نعت الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله بـ(خائن الحرمين الشريفين) لم يكن ليقبل أن يكون هناك من يواجهه بالخطأ و يعمل على إيقافه عند حده، مستبد لا يفقه من لغة السياسة إلا لغة القوة والتنمر والسلاح في وقت لم تكن شعارات الوحدة والقومية العربية التي طالما تغنى وزايد بها موجودة في ذهنيته المريضة بداء السيطرة وإحتكار القوة.
هكذا تبخح صدام حسين في حديثه عن الملك فهد رحمه الله
نشاهد هذه الأيام كيف يحاول البعض إعادة تصدير شخصية صدام باعتباره ذلك البطل المخلص عبر رسم صورة رومانسية عنه من خلال أما لقاء تلفزيوني مخطط له مع ابنته رغد أو من خلال نشر والترويج لسردية الزعيم القوي الذي واجه الخطر الإيراني والمدافع عن الأمه العربية والسنة، دعاية سياسية تهدف لخلق شعور بأن مواجهة الخصم الايراني لا تكون إلا باستنهاض زعيم جديد كصدام قادر على مواجهة هذه الدولة الطائفية الثورية التي تحيط بنا من كل إتجاه، وأن المعركة من أجل وحدة الأراضي العربية وبقاء السنة كأغلبية لن يكون إلا من خلال سياسة تشابه سياسة صدام الذي حمل لواء الأمة كما يقولون و واجه الإيراني في البدء وبقي نبراساً اليوم في مواجهة التغول الأمريكي والغربي في المنطقة.
هؤلاء المغرر بهم تُطربهم كلمات صدام الرنانه في خطبه خصوصاً تلك التي القاها في القفص إبان محاكمته بعد سقوط بغداد بعد الغزو الأمريكي للعراق، يتغزلون ببطولته الكلامية وبشعاراته الرنانة ويرددون كلامه وكأنه من وحي كتاب مقدس، ينسون أن هذا الطاغية احتل دولة عربية مسلمة وقتل الآف من السنة الأكراد ولاحق ونكل وأعدم آلاف من أبناء بلاده سنة وشيعة وأرسل الصواريخ الفتاكه نحو مدنهم وتجزأ في تحريك قواته لداخل مدينة الخفجي وساهم بإحتلاله لدولة مستقلة في فرض عقوبات دولية أدت لموت مئات الآلاف من أبناء بلده نتيجة شح الطعام و الدواء، رئيس دولة أتى بإنقلاب بدأ بتصفية أعضاء حزبه من من كان يسميهم قبل وصوله للحكم برفقاء النضال الثوري وأعدم رجال الدين وهجر شعب الكويت من بيوتهم و بلادهم، وبإمكاني أن أسترسل اكثر في تقديم نماذج لفضائع هذا الطاغية ولكن سأكتفي بهذا فقط، فالصورة لا شك انها وصلت لك أيها القارئ الكريم.
علينا أن لا نخطئ ونكذب على أنفسنا في نظرتنا لحقيقة ما جرى ويجري، وعلينا أن لا نعمل على نشر واقع مضلل لكي نحقق به هدف نبيل، ومن المهم أن يعلم جيل اليوم من الشباب والشابات الذين لم يشهدوا مرحلة صدام ومرحلة غزوه للكويت واحتلاله والجرائم التي إرتكبها والأخطاء السياسية التي إقترفها و حقيقة هذا الزعيم الذي إختزل بلاده والأمه العربية و الإسلامية في شخصه السقيم، فالتاريخ القريب عاشه كثير من من مازال على قيد الحياة، وأنا منهم نعلم ماهي الحقيقة ونعلم أن ما يقال ماهو إلا كذب وتضليل، وأن التضليل إن كان مقصوداً أو غير مقصود يمكن رصده ومعاينته من ملايين البشر الذين اكتوا بنار ذلك الطاغية أقلهم من كان على شاكلتي من من إحتموا في بيوت غلفت شباببيكها باللواصق خوفاً من الموت بالـ”كيماوي” كما حدث للأكراد في حلبجة.
إنها مسئولية تاريخية لكل من ينقل الأخبار أو يُعّلم في المدارس او يُلقي الخطب السياسية او الدينية أن يتذكر أن ما يقولوه سيخلقون به واقع في ذهن هذا الجيل الذي إعتاد خوفاً أو تكاسلاً أن يأخذ المعلومة معلبة كما تصله، والوهم بأن القوة تكون من خلال تمجيد صدام حسين أملاً في ببروز صدام حسين جديد هو وضع حجر الأساس لمأساة قادمة في أمه لا محاله، فكلنا يعلم جيداً كيف إنتهى صدام.
إنتبهوا على هذا الجيل من زيف وتزييف التاريخ، فما فلحت أمه في التاريخ سارت خلف الوهم وما انتصرت أمه راهنت على الطغيان.