إعفاء وزير الثقافة و الإعلام الدكتور عبدالعزيز خوجة من منصبه بناء على طلبه لم يكن مستغرب من المتابع لعمل هذ الوزير، و ذلك لعدة إعتبارات لعل أهمها أنه أول وزير إعلام يعمل بشكل يختلف عن سابقيه و الذين طالما كانوا يحرصون على إرضاء المؤسسات المحافظه
و ذلك من أجل الحفاظ على مناصبهم من جهة و لعدم الدخول في سجالات و مواقف قد تحسب عليهم من قبل المسئولين و أصحاب القرار، الوزير خوجة أتى للمنصب حين تعيينه بعقلية الشاعر الذي يعطي للروح و الفكر و الإختلاف ثقل أساسي في كل ما يعمل، فكانت كثير من قراراته تخالف بشكل واضح ما إعتاد عليه الوسط الإعلامي و الثقافي المحلي، فأعاد رسم الشكل العام للإعلام من جهه عبر تحويل شكله النمطي التقليدي الجامد لما يمكن أن يكون شبيه ولو من ناحية الشكل بالقنوات الخاصة و التي تعطي للشكل و المحتوى أهمية رئيسيه
في بدايات عهده شهدنا إنفتاح إعلامي لافت إلا أننا شهدنا كذلك في أواخر أيامه إنغلاق ناتج كما يقول البعض لتجاذبات و صراعات و ضغوط بين تيارين أحدهم يسعى نحو الإنفتاح و آخر نحو الإنغلاق و إعادة الأمور لعهد الثمانييات و التسعينات الميلادية، وهو صراع من الواضح أنه أتى بالنتيجة التي كان يسعى إليها أو يأمل بها التيار الأكثر محافظة و رفضا للتجدد.
شخصيا كنت منذ أن إلتقيت الدكتور عبدالعزيز لأول مرة في مقر الشركة السعودية للأبحاث و التسويق حينما كنتا أعمل مديرا لتحرير صحيفة الشرق الأوسط أرى أن الرجل يحاول أن يمسك العصا من المنتصف على عكس الوزير الذي سبقه و الذي كان له مواقف متشددة من أي إنفتاح صحفي و إعلامي وهو الموقف الذي لمسه كل من عمل في القطاع الإعلامي الرسمي منه و الخاص، فكان الوزير خوجه في ذلك اللقاء المفتوح مع قيادات المجموعة مستمع لكل أوجه النقد التي تقدم بها رؤوساء تحرير الصحف و تقبل بصدر رحب الإقتراحات و التي كان ربما أهمها تخفيف الرقابة و المحاسبة على النوايا إضافة لتبني الوزارة توجها أكثر جدية في التعامل مع الإعلام الإلكتروني و الجديد بإعتباره المنصة الأكثر نمو حينها و التي أصبحت اليوم كما يعلم الجميع الأكثر تأثيرا، و لعل خروجه للجمهور كأول وزير سعودي يستخدم وسائل التواصل الإجتماعي (فيسبوك) حينها مؤشر واضح لكون الرجل كان مستمع جيد و متجاوب فطن يعرف أن النصيحه هدفها تطوير العمل لا التقليل من مكانته و سلطته.
في عهده شهد الإعلام العديد من التحولات بعضها إيجابي و بعضها الآخر سلبي، ففي عهده تقلص دور الوزارة تدريجيا بحث أصبحت وزارة مشرعة و مؤسسة تضع السياسات فقط كما هو الحال في العديد من دول الجوار و الدول المتقدمة، على الأقل من الناحية النظرية وهو ما تمثل بشكل واضح بتأسيس هيئتي الإذاعة و التلفزيون من جهة و الإعلام المرئي و المسموع من جهة أخرى وهي الهيئتين التان ورثتا أهم أعمال الوزارة و التي عبرهما يكمن الثقل العملي و التاريخي لهذه الوزارة الجدلية.
في عهده كذلك صدرت أنظمة الإعلام الإلكتروني و بدأ في ذات الوقت محاسبة الإعلام و ما ينشر فيه وفق أنظمة خف فيها اللون الأحمر في خطوطه و أصبح أكثر وضوحا رغم تحفظي على هذا الإستنتاج، فرفعت قضايا النشر بشكل شفاف و نوقشت في الإعلام بشكل واضح و تناقلها المغردون دون تحفظ، كما إنكشف دور الرقابة ليصبح العيب المعترف فيه دون أي تمويه، فحددت المحاذير و صدرت البيانات التبريريه رغم تعارض الكثير منها مع مبادئ حرية التعبير، إلا أنها لم تخفى عبر الإدعاء بحرية يعلم الجميع أنها غير موجودة.
إنتهت في عهد الوزير إحتكارية الإعلام الإذاعي، ففسحت لعدد كبير من الإذاعات و سمحت للقنوات الفضائية و على رأسها الجزيرة بفتح مكاتب لها في المملكة و البث من أراضيها، فنقلت الأحداث عبر تلك القنوات بحد معقول من التساهل رغم ما كان يبث فيها من مواقف تتعارض مع بعض السياسات المتبعة خصوصا في الجوانب الإجتماعية و الثقافية و الفكرية.
أتحدث عن نفسي و لا أعلم عن باقي الزملاء إلا أني لم اعهد متحدث رسمي قبل الأستاذ عبدالرحمن الهزاع و الذي عينه الوزير خوجة في ذات اليوم الذي خرج هو للعالم عبر صفحته في الفيسبوك، و في عهده أصبح إثنان من موظفيه برتبة معالي و هي المرة الأولى التي يخرج من تحت عباءة وزير موظفين يتبعون له برتبة وزير و هما عبدالرحمن الهزاع رئيسا لهيئة الإذاعة و التلفزيون و رياض نجم رئيسا لهيئة الإعلام المرئي و المسوع.
اعاد الوزير خوجة الإنتخابات للأندية الأدبية و لكنه سرعان ما أعاد فرض هيمنة الوزارة على تلك الأندية عبر التعيين خوفا من إنفلات قيل حينها أنه قد يصل بالعملية الديمقراطية الثقافية لصدامات لا تحمد عقباها، وهو موقف يحسب على الوزير على إعتبار أن العملية الإنتخابية هي ذاتها عملية صراع و تنافس لا يمكن لها أن تتشكل و تتبلور لممارسة طبيعية مالم تمر بمطبات هوائية و مرحلة عدم توازن وهو الأمر الطبيعي الذي يحدث في كل مكان في العالم.
يؤخذ على الوزير في تقديري تناقض خطابه، فكان أحيانا يتحدث رسميا بلغة دبلوماسي بحيث كان في أحيان كثيرة يبدو أنه لا يقول شئ و في ذات الوقت كان ينجرف لحقيقة شخصيته التقدمية فيخرج بتصريحات تفاجئ الجميع، تماما كقوله قبل عدة أسابيع في الكويت أثناء مداخله له في الملتقى الإعلامي الخليجي الثاني حينما قال بأنه يعتقد بأن وزارات الإعلام يجب أن تزول و هو تصريح قد يكون مقبول و ربما مسموح من مسئول إعلامي إلا أنه من الصعب المرور عليه مرور الكرام إن كان القائل هو ذاته وزير الإعلام رغم إتفاقي معه على قوله هذا و تأييدي له.
القوى الدينية كانت العدو الأول له، لا لأنه فقط شاعر حساس يكتب في الغزل و يؤيد سياسة إعلام أكثر إنفتاح على الإتجاهات التقدمية بل لأنه وزير دعم عمل المرأة في الإعلام و تفاخر بذلك و لأنه ليس كسابقيه يردد الديباجات التي صاغوها هؤلاء لماهية الإعلام السعودية و التي ترى العالم بلون واحد هو لونهم القاتم فقط، و لأنه يحضر الملتقيات الفنية و الموسيقية و لا يتهرب من الفعاليات المختلطة بحجج ممانعت أطياف محدد في المجتمع، و لأنه حارب الفكر الأحادي و المتشدد و الإقصائي وهو ما تجلى في قراره الأخير قبل إعفاءه بسويعات عندما أمر بإغلاق قناة وصال الفضائية المحسوبة على التيار الديني المتشدد.
إعفاء الوزير أتى كما يراه المحللون السطحيون إنتصال للمؤسسة الفكرية التي تروج لها قنوات كوصال ومن على شاكلتها، في حين يعرف المتابع أن الوزير كان قد لمح و صرح في أكثر من لقاء خاص بأنه يأمل أن يعفى من هذه المهمة المنهكة و التي من الصعب أن يحقق فيها أحلامه في مجتمع منفتح متصالح مع أطيافه خصوصا و أن هناك حرب تشن عليه من قبل أطياف لها أذان تصغي لها في أروقة متخذي القرار، و لعل تصريحه الأخير في الكويت و صدامه بالقناة التلفزيونية التي تشكل رأس الحرب الإعلامية المتشددة كانت القشة التي قصدا قصمها.
يقول البعض أنه ربما يعين في منصب دبلوماسي رفيع في دولة موثرة على المسرح السياسي الدولي، و يقول البعض الآخر أنه قد يعين في وزارة أقل حساسية ليستفاد منه بإعتباره من الأصوات المعتدله و الكفاءات الإدارية و الفكرية التي لديها الكثير لتقدمه للوطن، في حين يرى البعض أن الجناح الميال للتوجه المتشدد في أروقه القرار تنوي تحجيمه بحيث يتم إنهاءه إسما و خيارا في أي تعديل و تعيين قد تشهده الساحة السياسية المحلية قريبا.
Great post. I used to be checking constantly this weblog and I am inspired!
Very useful info specifically the remaining section 🙂 I care for such information much.
I was seeking this particular information for a long
time. Thank you and best of luck.
مقال رائع شكرا لكم