كُن لطيفاً ،، فهكذا خُلقت

لابد أن نعترف أن وسائل التواصل الإجتماعي أفقدتنا إلى حد كبير السيطرة على معدل اللطف الذي في داخلنا، فأصبحنا نتعامل مع الناس من خلال لوحة مفاتيح أجهزتنا وفق الأحكام التي نطلقها على هذا وذاك من خلال ما نقرأ لهم، فإن كان ذلك الشخص الذي لا نعرفه شخصياً يكتب على هوانا أغدقنا عليه كلمات وعبارات الثناء النابعة من اللطف والتهذيب الذي فينا حتى وإن كان لا يستحق بالضرورة هذا الشعور الطيب، وإن كان ما سطرته انامله لا يتوافق مع مواقفنا أو قناعاتنا أغرقناه بكل عبارات القدح والتحقير، فنخرج من دواخلنا أسوأ ما فينا و نغرق أنفسنا في وحل الكراهية والبغض.

الإنسان بطبيعته خُلق وبداخله المشاعر الطيبه، يكفيك أن ترى رد فعل أي إنسان مهما كان متوحشناً أو غير منضبط أخلاقياً عندما يحدق في وجه طفل يبتسم له دون سبب، أو عندما تتحرك مشاعر الإنسان مهما كان قوياً ومتحكماً بذاته عند رؤية مسن فقد القدرة على التجاوب مع العالم أو سيدة تبكي حرقة على فقدان، كلها ردات فعل تكشف أن الإنسان بطبيعته طيب، واللطف عنصر أصيل في داخل كل واحد منا، لدينا القدرة على تحفيز عوامل نموه ولدينا القدرة على طمسه و إستبداله بأبشع مافينا.

أعلم أن الظروف التي تحيط كل واحد منا قد تكون السبب في تنمية الشعور بأي من الاتجاهين المتناقضين، ولكن يبقى السؤال الأهم، هل الظروف هي التي تتحكم بنا أم نحن من يجب أن يتحكم بالظروف أو لنقل التحكم بأنفسنا حيال تعاطينا مع تلك الظروف.

خذ مثلاً عندما يواجه أي واحد منا موقفاً صعباً أو أزمة ما، هل يمكن أن يقبل عقلنا المنطق الذي يقول أن علينا أن نخضع لتلك الظروف و نستسلم أم أن علينا مواجهتها و العمل على تجاوزها نفسياً وبكل كل القدرات التي نملك، بطبيعة الحال الحل الثاني هو الذي سيتفق حياله الأغلبية، لأن اليأس من تغيير الواقع يعني الإستسلام والإنسان بطبيعته لا يستسلم بسهولة، انظر فقط لردة فعل الإنسان الطبيعية عندما يتهدده الموت، سيجزع ويعمل كل ما بوسعه لإنقاذ نفسه والحفاظ على حياته.

إذا نحن من يتحكم بمشاعرنا ونحن من يتحكم بحياتنا ونحن الملامون عندما نترك للظروف أن تسيطر علينا فتحول اللطف الذي في داخلنا إلى نقيضه، فلو كنا أسرى حقيقيين لمحيطنا لما كان الإنسان يرغب في أن يكون أفضل و يستسلم قانعاً لواقعه، فلا يبحث عن ترقية وظيفية أو معيشة تنعم بالرفاهية، أو علاقات إجتماعية تزرع في داخله الشعور بالإنتماء والألفة.

في المرة القادمة التي تقرأ لأحدهم رأياً أو موقفاً لا يناسبك وقبل أن تفعّل قبح الكلام والشعور، فكر قليلاً في نفسك وتذكر أن بعض أفكارك قد لا تناسب غيرك وقد يراها البعض تماماً كما ترى أنت أراء الآخرين، فعامل الناس باللطف ليعاملوك بلطف، ولا تعتقد أن هناك أمر مهما عظم في تقديرك يستحق أن تفقد من أجله الشعور باللطف الذي وهبك اياه الله والذي إن حافظنا عليه و فعلناه بإستمرار سنكون أسعد وأكثر قدرة على إسعاد الآخرين، ولا تنسى أنك لو كنت تسمع ذلك الكلام الذي لم يعجبك من شخص يقف أمامك فغالباً لن تعامله بذات الطريقة الفظة التي قد تعامله فيها من خلف لوحة مفاتيح وفي بيئة تسيطر فيها على ظروفها، وليكن قدوتك في ذلك الرسول الأعظم الذي لو كان فظا غليظ القلب لانفض الناس جميعاً من حوله.


أرسلها عبر الفيس بوك
انشرها عبر تويتر

عزيزي زائر المدونة أشكرك على تلطفك بالمحافظة على النقاش الهادئ و المتزن و الهادف للإستفادة و الإفادة. تحياتي ... ياسر

اترك تعليقاً