مرت أربعة عشر عاماً على إنشاء هذا الموقع الذي لا اعلم كيف أصنفه، فهل هي مدونة أم موقع شخصي أم أرشيف لزماني ومكاني وتحولات أفكاري، المهم أنها سنوات مرت في جوف صفحاته دون أن أشعر بمرور الوقت ولا بقيمة الزمان الذي يُسرق منها بكل حلاوته ومرارته، على الأقل هذا هو الشئ المؤكد لرجل يدخل مرحلة شباب الشيخوخة، بعد أن مرت السنين وتبدلت الظروف وتشكلت حياتي بطريقة مختلفة عن عن ما كانت عليه معظم حياتي.
عندما بدأت قبل دقيقتين في تسطير هذه الكلمات لم أكن أعلم ما أريد أن أكتب، وربما وأنا أكتب حتى هذه الكلمات الآن ما زلت لا أعلم، إلا أن كل ما أعرفه هو أني أريد أن أكتب، ولأكون أكثر دقة أعرف أني أريد أن أعبر وقد يكون في داخلي صرخة وقد تكون إبتسامة لم تتحدد ملامحها أو أسبابها أو دوافعها، مجرد كلمات تتسرب مني على صفحة بيضاء في هدوء محيطي وسط ليل مليئ بضجيج التفكير ونزاع الأفكار في كل شى وفي اللاشئ.
الكتابة تعني التحرر والإنعتاق من معتقلات الذات، تلك التي تراقب كل فكرة وتعاتب كل شطحه وتبتز كل تمرد على محرمات الأنا، هي التجلي الذي به نخرج من أرواحنا لنراها ماثلة أمامنا دون رتوش الخوف و النفاق والضمير الرقيب، فأنا الحقيقي ليس ما يراه غيري فيني بل ما أراه أنا في ذاتي وأحاول كبته عن التجلي خارجي.
أسأل نفسي دائما لماذا يجب أن أعيش واضعاً نصب أعيني كلام الناس ورأيهم فيني، لماذا نحرص أن نظهر كملائكة كاملون ونحن ناقصون لدرجة أننا لا نملك حتى قرار الإعتراف بأنفسنا أمام أنفسنا، نسعى بكل قوتنا في المزايدة على الغير وشيطنتهم وكأن كمالنا لا ينبع إلا بنقص غيرنا.
نحن ناقصون، كلنا يا رفاق الأرض ناقصون، ليس فينا كامل ولا نصف إكتمال، أفراد يكذبون من أجل لقمة العيش وحكومات تسرق من أجل جيوب الأقلية وقادة يبطشون ليستمر الكذب وتستمر السرقة، هذا هو واقع عالمنا الحقيقي، صحيح أن بإمكان أي واحد منا أن يجمل الصورة و يرسم ملامح العظمة في فرد او شعب أو قائد أو دولة أو حتى في جبل ومبنى وشجرة إن أحب، إلا أن كل ذلك ماهو إلا هروب من مواجهة شاشة بيضاء وكتابة أحرف دون رتوش نصرخ فيها بصدق ونبكي منها بأمانه وقد نضحك عليها أحيانا وقد نغضب منها أحياناً لصراحتها المؤلمة.
هل تعلم لماذا نكتب ؟ وليكون سؤالي أكثر شمولاً، هل تعلم لماذا نعبر ؟ هل تعلم لماذا كتاباتنا وتعابيرنا التي تظهر للعالم لا تشبهنا في غالب الأحيان؟ الجواب ببساطة لاننا نسعى لقبول الآخر بفعل ما فينا من نفاق شخصي وإجتماعي، نبحث عن أن نضمن موقعنا وسط الجماعة، ألم يقول المثل بأن “الموت مع الجماعة رحمة”، نتعطش للصفيق والثناء لنغذي به نقصنا وكبريائنا المرضي، نرمي أن يشار لنا بالبنان بكل أوصاف التكريم والتبجيل لنشر بقيمتنا وسط الجموع، فهذا هو العبقري و ذاك هو المثقف و الآخر هو الوطني الحقيقي وطبعاً لا أنسى ذاك الذي يجب أن يوصف لأجل سلامتنا الشخصية بأنه القائد الهمام نعمة الله على عباده، كلها من أجل نوازع أنانية ومصلحة ذاتية وسعي للبقاء، نادراً من ستجد فينا أحداً يعبر ليريح نفسه ويظهر للعالم كما هو، يعلن دون خوف بأن ما تسمعه أو ما تراه او ما تقرأه مني هو أنا بلا رتوش، هذا أنا الناقصة بلا حرج وبلا فخر وبلا تواضع كذاب، هذا حقي كإنسان في أن أكون انا كما أنا دون أن يكون لك أنت قرار تقرير ما يجب أن أكون.
لا تكترث أيها القارئ الكريمة من خزعبلات رجل بدأ الثرثرة بعد أن استيقظ متأخراً في حياته، فاكتشافك أن تكون حراً فيما تقول أو كيف تعيش أو بماذا تؤمن بلا تأنيب الضمير أمور غالباً لا تتحقق بتلك السهولة، قد تقول عني سوداوي ومتشائم، لا بأس يا عزيزي قد يكون الأمر كذلك.
هل حقاً انا حر في ما أكتب وأقول ؟ ولماذا أكتب ؟ هل أنا أمامكم الآن بلا رتوش ونفاق إجتماعي مصلحي قاصر من رجل خمسيني لازال يبحث عن الشئ والاشئ ؟ لا بد لي أن أعترف لك عزيزي القارئ أني لا أعلم الإجابة.
[…] بضع أسابيع كتبت مقالاً هنا تحدث فيه عن السبب الذي يدعونا للكتابة، ولم أكن أعلم ان […]