نتغيّر .. العالم يتغيّر .. ولا شئ ثابت !

عندما كنت في السادسة من العمر ومع الأيام الأولى على إدراكي عن وجود لعبة اسمها كرة القدم شجعت فريق النصر، لا أذكر كيف بدأ الأمر ولكن لمدة السنة التي تلتها كنت لا أتكلم إلا عن ماجد عبدالله، يبدو أن الكابتن ماجد هو الذي جعلني أميل للنصر في تلك السنة من حياتي، حتى أتى ذلك اليوم الموعود الذي اصطحبني فيه صديق والدي مع ابنته الصغيرة لحضور مباراة لكرة القدم في الملعب كانت الأولى في حياتي ولكن ليس لمشاهدة ماجد عبدالله بل لمشاهدة فريق الهلال، فاز الهلال في تلك المباراة على فريق الشباب ومنذ ذلك الحين وانا هلالي.

في طفولتي المبكرة كنت أحب البيتزا المارغريتا وفي سن الحادية عشر من العمر تحول ذوقي لبيتزا الفطر ثم بعدها بسنوات معدودة تغير لبيتزا البيبيروني والفطر، كنت أعشق مشاهدة الأفلام البوليسية أما اليوم فأفضل قراءة الكتب الفكرية والأدبية، كنت أكتب الشعر واليوم أفضل التعبير بالنثر، في سنوات المراهقة كنت أريد أن أكون طيار حربي وفي سنوات الثانوي الأخيرة قررت أن أكون محامي ثم قررت في الفصل الأول من الجامعة أن أغير تخصصي لأكون صحفياً.

وكما أننا نختار بإرادتنا كما سبق فالقدر يختار لنا في أحيان كثيرة، فأصبحت عضواً في نادي من ينادون إحتراماً بـ(يا عم) وانكسر شئ في داخلي بعد أن فقدت أبي رحمه الله قبل ثلاثة سنوات، لم أعد استطيع الاستمرار في تبرير النفاق والتضليل، و أصبحت أكثر عاطفية مع الإنسان و الحيوان رغم أني كنت لسنوات طويلة أكاد لا أشعر أني أملك شعور، في وقت لم أعد أهتم البته لكلام الناس ورأيهم فيني حتى قد يقول البعض أني بالفعل لا أملك شعور، ولكن هل كان كل ذلك بإرادتي، حتماً لا.

بإمكاني أن استرسل بلا نهاية عن المرات التي تغير فيها ميلي حول أمر ما في هذه الحياة المتقلبة، حتى المبادئ لا أنكر أن كثير منها تبدل، لا أعاتب نفسي أو أحكم عليها إن كنت اليوم وصلت للقناعة الصحيحة أم كنت أكثر نضوجاً في فترات سابقة من حياتي، بل أعيشها وأحاول أن أفهمها و اتعامل معها كما هي، فالأيام القادمة كفيلة بكل شئ حتى في إثبات إني لا أفقه شئ، ولا بأس فهل نحن حقاً نفهم كل شئ !

ليس مهماً اليوم ما كنت عليه بل ما أنا عليه اليوم، تمر الأيام و ربما أكون في الغد غير ما أنا عليه الآن، فالتغّير والتغيير أحد سمات هذا الإنسان الذي يكبر وينضج فيتفكر و ربما يكون محظوظاَ فيفهم، وليس من الواقعي القول بأن هذا التبدل و التغير نقيصة أو دليل عدم ثبات، فلو كانت الأيام لا تطرز ثوانيها ودقائقها إلا الشمس لأصبحت أيامنا كئيبة مكفهرة، ولو كانت دامسة مسودة بلا ضوء أو حياة لكانت قاتلة حزينة، فتبدل النهار والليل يصبغ على أيامنا جمال وحياة ولولا هذا التناقض الماثل لأصبح اللون الواحد سمة الجمال الباهت، ولو كانت المياة الراكدة فيها الشفاء والبلسم لبقيت على حالها دون جريان، فانسيابها باتجاه الصعود و الهبوط تجديد للضفاف وخلق لسلسبيل يروي العطش ويمد في الحياة.

التغير و التبدل من آيات الحياة، ليس عيباً أو حراماً أو شذوذاً عن الطبيعة أن يتبدل الحال ويتغير، بل هي الطبيعة في أكمل معانيها تلك التي خلقت منا وفينا وحولنا القدرة والقدر على أن لا يكون الحال دائماً ساكناً بلا تضاد لوني او تناقض كوني.

علينا أن لا نخاف التغيير أو نهابه، بل أن نحتضنه بأذرع مفتوحة عندما يحين موعده بإرادتنا كان ذلك أو كنا مجبرين عليه، فكلما تمكنا من أن نرى التبدل الحاصل كنوع من ولادة جديدة لتجربة إنسانية أكثر سمو وتصالح كلما تمكنا من أن نتجاوز كل العقبات التي تقف أمامنا، نتطلع للأمام دائماً، ولا يعاب أن نقول أننا فشلنا وتعلمنا وتبدلنا وتغيرنا، فربما يكون ذلك في نظر الإنسان نفسه وفي نظر كل من يعي الواقع تعريف صريح بأننا بشر عاديون نولد ونعيش ونتغير ونتقدم، وعلينا أن لا ننسى أبداً أن طموحنا جميعاً في هذه الحياة هو أن نحياها سعداء، لا يهم إن تهنا أثناء المسيرة عن الطريق لاننا دائماً لدينا الخيار في أن نعيد النظر و نختار طريق آخر يوصلنا بعون الله لتلك السعادة المنشودة.

ابحث عن السعادة بمواجهة حتمية التغيير وقبوله ولا تخف أو تحزن من التغيّر.


أرسلها عبر الفيس بوك
انشرها عبر تويتر

عزيزي زائر المدونة أشكرك على تلطفك بالمحافظة على النقاش الهادئ و المتزن و الهادف للإستفادة و الإفادة. تحياتي ... ياسر

اترك تعليقاً