
سألني أحد الأخوة قبل أيام إن كان لدى وسائل الإعلام تحيز ليبرالي ولعله كان يقصد تحديداً الإعلام الأمريكي، وهو سؤال دائما ما يتردد ونسمعه بإستمرار في عالمنا العربي على وجه الخصوص وهو سؤال ينطلق كما أعتقد من صورة ذهنية متجذرة لدى مجتمعات عديدة بأن الاعلام في غالبه ليبرالي، وذلك مرده في تقديري لعدة أسباب لعله من أهمها هو هجوم المحافظين المستمر في كل مكان وهو إسلوبهم كما هو واضح في تبرير عدم قدرتهم على نشر افكارهم بالشكل الذي يحقق لهم طموحهم في الإنتشار وهروباً كما يرى البعض من الاعتراف بضعفهم وعدم قدرتهم على التعاطي بمرونه وحرية وقبول الاراء المخالفة لطرحهم مما يفقدهم القدرة على جذب أكبر شريحة من المتلقين.
ان الاعلام بطبيعته ينمو في بيئة حرية التعبير والحرية هي من اساسيات الفكر الليبرالي لذلك ستجد ان كلما توفرت ظروف افضل لحرية التعبير كلما نمت روح الليبرالية في ممارسته وتبني منطقه، والاعلام الذي في الغالب يكسب ثقة وتجاوب المتلقي هو ذلك الذي يتيح الرأي والرأي الاخر مهما خالف المعهود.
بمقابل الليبرالي هناك الاعلام المحافظ والذي في غالبه يستند لفكر ديني او اجتماعي صارم يعتقد انه صاحب الكلمة ذات المنبع الديني او المنهج الاجتماعي الصحيح والذي لا يقبل النقاش كأساس منهجي، ولذلك ستجد هذا الاعلام اقل جذباً في نظر المتلقي بإعتباره وسيلة اعلامية تكون فيها مساحة الحرية ضيقة جداً وغالباً ما تكون تأكيداً او اجتراراً لافكار او مواقف متكررة محددة مسبقاً بتوجيه او باجندة مسبقة.
مقولة ان الاعلام لديه تميز ليبرالي صادقة في المجمل، وذلك ببساطة لان (الصحافة تزدهر مع الحرية والفلسفة الليبرالية هي اوضح صور تجسيد الحرية).
وفي المقابل وفي موضوع متصل سألني أخر هل أعتقد ان اغلب الافلام و المسلسلات الحديثة في امريكا تخدم ايديولوجية الحزب الديموقراطي هناك ؟ لماذا ؟، و كان جوابي بأن الأمر ليس بالمطلق ولكن يمكن القول أنه في السنوات الأخيرة برز بشكل أكبر التوجه الليبرالي (الديمقراطي) في السينما و ليس خافياً أن عاصمة السينما العالمية و الأمريكية “هوليوود” ذات نزعة ديمقراطية بالعموم، وموقف ارباب الصناعة و أوساط النجوم السينمائيين الذين وقفوا علناً ضد الرئيس ترامب في الإنتخابات الرئاسية عام٢٠١٦ مستمرون في حملاتهم المناهضة له و لسياساته التي يصنفها محافظة.
ولكن لا يمكن القول أن هذا التوجه بالضرورة غالب على جميع مخرجات السينما، لأن كل طبيعة من الأفلام لها أجندتها الخاصة بها، فأفلام الحروب مثلاً ستجدها تتبع رؤية أكثر وطنية لا تفرق بين الإنتماء الحزبي بل تعمل على تمجيد الوطن والجيش و الأجهزة الإستخباراتية بإعتبارها الأفضل و الأقوى على مستوى العالم.
بينما لو نظرنا مثلا للأفلام ذات المواضيع الإجتماعية فإننا سنجد أنها في غالبها ولا أقول كلها تحاول أن تبث رسائل تتوافق مع النظرة الديمقراطية للأمور و التي بطبيعتها ليبرالية، فأصبح تكثيف تسليط الضوء على الجريمة في المجتمع نتيجة إنتشار الأسلحة بين الناس وسهولة الحصول عليها موضوع يطرح بكثرة، إضافة لإدماج الشخصيات المثلية والعلاقات الحميمية بينهم بإعتبار ذلك جزء من المجتمع وبكونه أمراً طبيعياً ومقبولا، إضافة لمواضيع مثل الإجهاض واللادينية و التمييز ضد الأقليات و هي كلها قضايا آساسية يدافع عنها الديمقراطيون.
اما لماذا فجوابي المختصر هو لأن الفن كما الإعلام ينمو و يزدهر في بيئة حرية التعبير بكافة أشكالها، و الحرية هذه هي أهم مخرجات الليبرالية التي ينتهجها فكر الحزب الديمقراطي.