قالت ليزا هل تعلم أن DHL شركة المانية ؟ هكذا و نحن نمضي بين الطرقات العتيقة و الأجواء الباردة لمدينة لم تأخذ من ماضيها إلا كل جميل و ذا معنى، أثينا المدينة التي جمعتني بتلك الجميلة الألمانية و التي إفتخرت
بكل ما هو ألماني و إمتهنت التاريخ تخصصا حتى أصبح بالنسبة لها طريقة حياة و إسلوب تفكير و نمط تعلم لا يتوقف مهما تغيرت الأماكن و تبدلت الأجواء.
ما يدهشك في تلك المدينة التي ظهر بين جنباتها البذرات الأولى للتفكير البشري و الكلمات الأولى للمنطق الإنساني و اللحظات الأولى للتجلي الذي أوصلنا كبشر لفهم أجزاء كبيرة من دواخلنا المعقدة و خوارجنا المركبة من مواد لا نفقه ثلاثة أرباعها إلا من خلال ما ورثناه من مفكرين بحجم أمه و و أبناء وطن بحجم حضارة لا تضاهيها إلا حضارات تلك التي ولدت و ولد معها التاريخ.
عندما تزور الأكروبوليس تكتشف بأن الأطلال لا توقف الزمان بل تعيده للحياة فتشعر بأن التاريخ له صوت و له صورة و شكل، و أن تلك السطور التي أخذتك فيها كتب التاريخ برحلات خيالية أصبحت في لحظة حقيقية تعاش، و أنك في تلك اللحظة التي تقف فيها على رأس التله المطله على المدينة العتيقة تستطيع أن تنعم بنعمة إستراق السمع لتستطيع أن تسمع عبارات الحكمة التي لازلت تسبح في الهواء منذ آلاف السنين حيث كانت عنوانا للأكاديمية التي درس بها و دّرس فيها عظماء هذه الحضارة، تسمعها بكل أحاسيسها و تجلياتها و التي تظهر لك و كأنها في لحظاتها الأولى التي ولدت فيها.
يشترك العرب و الأغريق ببعض الصفات الشرقية و ربما هي الشرق أوسطية أو قل الصفات الرجالية فحسب ، حيث أن اللعب بالذل كما يقال هي هواية بإمتياز للرجل اليوناني كما إتضح لي، فصديقي اليوناني و الذي إحترف منذ أكثر من ٢٧ سنة مهنة الرسم على أجساد البشر لوحات من وشم تجسد وفق تعريفة لغة الإنسان لذاته و صورة اللاوعي بأبهى معانيها، أقول دعاني صديقي لحضور إحتفاله برأس السنة مع زوجته و أطفاله الثلاثة و والده الذي شارف عمره على السبعين و لا زال يدخن علبتي سجائر كل يوم، إلا أني أخبرته بأني مرتبط مع بعض الأصدقاء فقال لي هكذا و كأن الأمر طبيعي (حسنا سأتي لأشارككم مع صديقتي و عشيقتي “نتالي” لنحتفل جماعيا بليلة لا تنسى و على الطريقة اليونانية.
تحت تلة الأكروبوليس إحتفل اليونانيون برأس السنة الجديدة و في لحظات أشبه ما تكون بتلك التي تسبق الإستيقاظ حينما تكون بين النوم و اليقظة و في وتيرة بطيئة للغاية تشعرك بأن الوقت قد توقف يلتفت نحوي رجل هندي مسن ليهديني دون مقدمات ميدالية مفاتيح كتب عليها (الآمل – Hope) و يقول بلكنة يونانية بدتت لي مكسرة “كل عام و أنت بخير”، إبتسمت و بقيت في مكاني أتأمل المعنى و الوجوه الغارقة في نشوة اللحظة و برد المكان و صخب الأصوت و الشراب و كأني وحيد رغم المحيطين و كأني حزين رغم كثرت الفرح و المهنئين و كأني لا أفقه معنى الزمان و المكان رغم أنهما أخذاني دون إستئذان لذلك الشعور الذي زرع فيني من ضفاف تلك المدينة أملا لشمسي القادمة لا محالة.
قابلت أخيرا و بعد طول إنتظار سقراط و أفلاطون و اللذان كانا في إستقبالي و ليزا عند مدخل جامعة أثينا وقفا هناك يحدقان في الزمان الذي نحن فيه يحاولان الدخول في عقولنا التي ربما حاولت هي بدورها أن تحاكي شئ من ما قاموا به هم في الماضي و لكن دون نجاح، في ذلك المدخل و حيث المتكى كان الموعد غير المرتقب و غير المخطط مع عاصفة فكرية مع ليزا حول أسباب إنهيار الأمة الإسلامية بعد أن كانت على القمة، لماذا إنهارت أمتكم سألتني و قد كانت تحكم العالم بالعلم قبل السيف و قد كانت السبب الذي أبقى فلاسفة اليونان بأفكارهم النيرة حيه حتى الآن، لماذا تنازلتم عن مركز الريادة و القيادة و أصبحتم اليوم أمة لا وصف لها؟، لم أشعر أني أتخيل عندما أحسست فعليا بأن تمثالي سقراط و أفلاطون اللذان وقفا شامخين بجانبنا يلتفتان نحوي و هما ينتظرا سماع دفاعي أو تبريري أو ربما هروبي من تلك الحقيقة التي أطلقها عقل ليزا المحلل للتاريخ و الفاهم له.
كان جوابي شبيه بتلك الردود التي وردت على موضوعي الذي سبق أن أثرته (ما هو الشئ الذي تفخر فيه كسعودي ) جلها شعارات و كلمات حفظناها و رددناها دون وعي، فيها ما هو مضحك لحد البكاء و فيها ما هو مبكي لحد الضحك و فيها ما لا يحمل أي معنى أو فهم، و قليل منه ما يلامس الجرح و يثبت بأننا فقدنا المكان لأننا لم نكن أهلا له و بكل بساطه و دون دخول في نظريات للمؤامرة و تحليلات للسياسية.
في منطقة بلاكا تشعر بأن بيروت تجسدت أمامك أو قل تكتشف بأن بيروت خلقت من رحم بلاكا، حيث المقاهي تفترش الطرقات و النساء الجميلات يتجولن بكامل البهاء و حيث الرجال يمارسون بعض رجولتهم في الإستكشاف و اللعب بتلك المسبحة الهجين و التي تشكلت بين الـ(روزاري المسيحي) و المسبحة الإسلامية، أما في موناستيراكي حيث المساء يتحول إلى إحتفالية بوهيمية من صخب المراقص و إستعراض لفحولة و أنوثه بشرية بكل شفافيتها، فتستقبلك الجميلات بالإبتسامات و الرجال بالتحيات و تبقى الأصوات و الأنغام حية حتى يلامس عبقها حدود الصباح.
أثينا كشفت لي بعض الحقائق و التي ستبقى معي للأبد، فعلمتني بأن أجمل ما في السفر لمدينة تاريخية هو أن تستكشف الجديد و أن تعيد الإرتباط بالقديم، ففي المدن العتيقة تظهر لك الوجوه التي فرقنا القرب منهم و تعيد الأمل في أن يقربك البعد إليهم، فبذلك تتجمل الليالي الساحرة، كما علمتني أثينا أن لا أبقي الأطلال شاخصه أمامي ريثما يحين موعدي للإنتقام، بل أبني على أنقاض تلك الأحجار و الرمال قصراً جديداٍ تسكنه ضحكات و أفراح و جمال لا يشبه الماضي.
أثينا .. المدينة التي علمتني
أرسلها عبر الفيس بوك
انشرها عبر تويتر
I simply want to tell you that I am just all new to weblog and definitely savored this page. More than likely I’m want to bookmark your website . You surely come with excellent posts. Kudos for sharing your website page.
سلمت يمنااك ااخووي يااسر على االمدونه الااكثر من رراائعة .. في بحثي عن الاحياء االتاريخيه لاثينا كي اتعرف على المدينه قبل سفري اليها خلال الايام القادمه .. شملت مدونتك كل ما اريده عن هذه المدينه بأسلوب راقي يجذب الانتباه .. ااشكرك من كل قلبي على ماعبرت عنه بصدق وجمال يعبر عن شخصيه محبه للاطلاع والمعرفه ..
هذه التدوينة أكثر من رائعة ، صيغت بطريقة جداً ممتعة .
تستحق هذه التدوينة النشر في إحدى المجلات .
[…] This post was mentioned on Twitter by Majed N, saleh alswailem, AllBlogs and others. AllBlogs said: أثينا .. المدينة التي علمتني: قالت ليزا هل تعلم أن DHL شركة المانية ؟ هكذا و نحن نمضي بين الطرقات العتيقة و الأج… http://bit.ly/gQ7fad […]