جدة ،، بحر فبحيرة ففيضان

d8a3d985d8b7d8a7d8b1-d8acd8afd8a9في عام ٢٠٠٠م تقرر إنتدابي للعمل لمدينة جدة و ذلك لمدة سنة مسئولا عن إدارة التسويق و المبيعات بشركة ميجاستار التابعة لمجموعة الفيصلية القابضه، و قد وصلت لعروس البحر الأحمر في مساء يوم ثلاثاء من شهر نوفمبر لأجد هذه المدينة التي طالما كانت عاصمة لكل ما هو “غير” و بالتالي أطلق عليها لقب “جدة غير” تستقبلني بطريقة “غير” بعد أقل من يومين من وصولي و تحديدا في يوم الخميس و ذلك بليلة مطريه عنوانها المغامرة
و محاولة تجاوز عقبات البحيرات المائية في الشوارع، و قد ذكرتني تلك الحادثه بما عشناه نحن سكان الرياض في أواخر الثمانينيات و تحديدا في تلك السنة التي إنهال علينا البرد من السماء ليحّول أسقف معظم سيارات الرياض إلى مسرحا حزينا لآثار الطبيعة عندما تتحول لحجارة ثلجية.
في تلك الليلة الجداوية كنت قد رافقت بعض الزملاء لقضاء مساء “غير” في إحدى المقاهي الشهيرة وقررت بحكم أني لا أعرف شوارع و حارات جدة أن أذهب مع أحدهم و أترك سيارتي قرب مكتبي لأستقلها بعد نهاية الليلة لأعود بها للفندق الذي كنت أقطنه مؤقتا، و في طريق عودتنا للمبنى الذي يقطن فيه مكتبي بعمارة الجوهرة في حي البغدادية لأجد سيارتي و التي كنت قد إستأجرتها في مساء اليوم السابق تسبح وسط بحيرة من الماء الداكن يقارب لونها شواطئ التلوث القريبة منها في “بحيرة الأربعين” التي من غرابة تكوينها أن صيغت الحكاوي الأسطورية حولها بوجود التماسيح الخرافية و التي لم و لن أستغرب في أن تكون حقيقية رغم هزلية حقيقة أن يكون تمساح يعيش في بحيرة صنعتها منتجات الصرف الصحي.
على أي حال أحببت أن أسرد تلك المشاهد و أسترجعها على عجالة لأقول بأن جدة و رغم إنقضاء تسعة سنوات بالتمام و الكمال من ليلة الخميس تلك و التي بقيت سيارتي لمدة يومين تنتظر سيارات الشفت لتأدي دورها لسحب الماء المتراكم في مشهد كان و لا زال سكان جدة معتادون عليه، أقول رغم هذه المدة الزمنية و التي تغير العالم فيه سياسيا و إقتصاديا و صحيا و و و إلا أن “جدة غير” لا زالت تعيش كما كانت “غير عن العالم” و كأنها جزيرة تعيش في وسط محيط بعيد لا تأثر و لا تتأثر بما يدور حولها من تغييرات، فهي لا زالت تعيش على بحيرة من الصرف الصحي و لا زال المطر يشكل بالنسبة لسكان المدينة غضبا و مأساة و إمتحان فردي لكل إنسان بمدى صبره و تحمله مشقات العيش في مدينة لها تاريخ و ليس لها من الحاضر إلا مهرجان و بعض من أسواق إتهلاكية و درة العروس.
٨٣ إنسان (حسب نشرة أخبار قناة العربية مساء اليوم) قتلتهم الفياضانات التي نتجت عن أمطار هطلت على جدة و مكة المكرمة لأجد التبريرات مباشرة تحّمل اللوم على ذلك الطرف ذا “الحيطه المائله” أو على ذاك الذي لا يفيد لومه إلا بكونه حمّال أسيئه أو كبش فداء وقتي لأزمه نتجت عن تخاذل لعشرات السنوات و إهمال منظم لمجاميع من المتنفذين من أصحاب المشاريع الوهمية و أرباب الرشاوي و العمولات و المحسوبيات.
لن أسمي ما حدث أنه نتيجة “سيول” فالمنطق يقول بأن المدن المتحضره عليها تجهيز نفسها في تعاطيها الجغرافي و السكاني مع ممرات السيول، فليس من المقبول تسمية ما حدث أنها نتيجة سيول بل هي “فيضانات” مائية نتج عن إهمال التخطيط في التعامل مع الكوارث الطبيعية و عدم قدرة على تخطيط المدن و التعاطي مع تضاريسها الجغرافيه بطريقة لا يحركها مصالح العقار و مكاسب المتنفذين.
كما لن أقول بأن عدد الوفيات نتج عن تزامن هطول الأمطار بموسم الحج و هو العذر الذي أراه أقبح من الذنب ذاته و ذلك بكونه يقول بأن (موت من مات كان لكونه أتى للحج و قد كان مقدرا له الموت تحت الماء و الحمد لله على كل حال)، و هو رأي منطقه تعودنا عليه منذ أن أصبح محاسبة المخطئ في بلادنا من الأحداث النادرة و المستحيلة أحيانا، و عليه فقول أن المأساة التي حدثت هي بفعل الطبيعة هو الأمر المتوقع خصوصا إذا كان من مات من عامة الناس أو من العمالة الوافدة الفقيرة أو من أبناء تلك الفئه الإجتماعية ذات الدرجة الثانية التي تحمد ربها أن لديها بطاقة أحول سعودية.
ما حدث في جدة في اليومين الماضيين يجب أن لا يمر مرور الكرام و يجب أن يحاسب المهمل و المتسبب إهماله بهذا العدد الكبير من الضحايا، ففي حال إستمر هذا الإهمال و التغاظي عن مصلحة البلاد و العباد لأجل مصالح محدودة و وقتيه و في أحيان فئوية فلن تتمكن البلاد في المستقبل من أن تظمن عدم تجاوز ما هو أخطر، فالبلاد تعيش هذه الأيام تحديات سياسية و عسكرية و صحية متعددة و وجود المستفيدين من إستمرار الحال على ما هو عليه كثر و ليسوا دائما من خارج المملكة كما يحلوا لبعض ممن أسميهم ” النعام” أن يتصورا، فهناك أعداء للوطن من أبناء الوطن و هناك مستفيدين لتفكك الوطن من أبناء الوطن و ليسوا دائما كما يحلوا للبعض من إتهام أبناء تلك الطائفة أو تلك القبيلة أو ذلك التوجهه، فالمستفيدين مما حدث في جدة ليسوا من هؤلاء بل هم ممن لا داعي لوصفهم فهم معروفون لدى العامة قبل الخاص.

أخيرا أقول، لا يكفي إيواء المتضررين و تقديم السكن و الإعاشة و الدعم المادي لهم بل لا بد من محاسبة من تسبب في الكارثه، فالمال إن صرف بعد الكارثه لا يحمي حدوثها مجددا و بالتالي نستمر في أن نكون غدا كما كنا البارحة مهملين متكاسلين غير مهتمين في مصائر البشر.

(و كل عام و أنتم بخير)


أرسلها عبر الفيس بوك
انشرها عبر تويتر

عزيزي زائر المدونة أشكرك على تلطفك بالمحافظة على النقاش الهادئ و المتزن و الهادف للإستفادة و الإفادة. تحياتي ... ياسر

8 responses to “جدة ،، بحر فبحيرة ففيضان”

  1. Gregory Despain

    I simply want to say I’m newbie to weblog and certainly loved your blog. Very likely I’m going to bookmark your website . You actually come with tremendous well written articles. Thanks for sharing with us your blog.

  2. wadah

    فيما لازال البحث متواصل عن جثث أخرى
    وفيات سيول جدة ترتفع إلى 103 حالات
    وكما قال سعد زغلول
    مافيش فايدة
    غطيني يا………

  3. odah

    والله حاجة بجد تبين الخزي والعار للمسئولين ، لكن رغم هذا بقواية عين ممكن يرموا اخطائهم على القدر !!

    لو أحد منهم أو من افراد عيلته مسهم جزء بسيط من اللي مس الشعب والعامة ،، كان للموضوع اجراء ثااااني

    لكن حسبهم الله

  4. ابو علي بن علي

    لا نقول الا اللهم اصلحاحوالنا

    الشكر لك على ما دونت

  5. السدرة

    شكرا على طرحك المميز والجاد ..أتابعك لأنك متابع .. وتعبر عنا .
    هناك تحقيق رسمي يجب ان يجرى هذا أقل ما يمكن ان يقدم للقتلى والثكلى والجرحى …نتكلم عن جريمة لا بد ان يقدم اطرافها للعدالة .
    وهناك يا أخي الكريم تحقيق اخر ( تقرير صحفي جاد محايد ) يجب ان يتتبع القضية لسنوات مضت .. صحفيي ( بلاد الفرنجة 🙂 ) يقومون بدور كبير في كشف الحقائق .. وهناك الكثير من التحقيقات الرسمية بدءت من تحقيق صحفي .
    كل عام والجميع بخير .. عيدك وعيد الجميع مبارك و سعيد

  6. Lamya

    أحد الحجاج من البلدان العربيه قال ” كمان لكم عين تصلوا صلاة استسقاء !!! ”

    فعلا الوضع مأساوي في جده ,و شعار اهل جده في هادي الايام هو ” خليـــك في البيـــت ”

    الله يرحم الي ماتوا و يصبر اهلهم و يكافي الي كان السبب .

  7. ليلى.ق

    STC
    رسالة من المديرية العامة للدفاع المدني :
    تشير التقارير الصادرة من الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة إلى احتمال هطول أمطار على محافظة جدة وضواحيها هذا اليوم مع احتمال وصول سيول منقولة قد تهدد المواقع التي سبق تضررها نتيجة للأمطار التي هطلت يوم أمس لذا فإن الدفاع المدني يهيب بالجميع أخذ الحيطة والحذر حفاظاً على سلامتهم .
    مع تحيات المديرية العامة للدفاع المدني .
    وصلت هذه الرسالة اليوم الساعة 12:13 صباح الجمعة … يعني الكارثة لم تنتهي والقادم أخطر مما سبق ، وأزيدك من الشعر بيت تحدث بعض الجيولوجيين عن حدوث تصدعات خطيرة جداً في سد بحيرة المسك فهطول الأمطار الغزيرة 5 ساعات متواصلة ساهم في إمتلائة ويحذروا من إحتمالية إنهياره .. مع العلم أن البحيرة تضاعف حجمها فأصبحت بحجم شرم أبحر .. وللأسف المهندس الذي إختار موقع البحيرة يملك من الذكاء ما فاق التوقعات ليختار منطقة مرتفعة عالية مكاناً لها ومنحدرها متجه للمدينه الأخ المهندس كأنما صنع لنا خزان إحتياطي للمدينه بحجم البحر ولكن من مياه “المجاري” والسد ماهو إلا مداراه للكارثة جاوره عدة سدود مساهمة للحد من تفلت المياه من كل جانب .
    الفساد جعل جدة كقطعة بسكوت تنهار و تذوب في الماء .
    صعب رؤية الرجال والأطفال عائمين في الشوارع ، وحصيلة الموتى الحقيقية لايمكن التحدث عنها لن أكمل في فمي ماء .

  8. فهد العتيق

    يا روح ما بعدك رووووووح

اترك تعليقاً