بقلم: فيصل عباس*
كلما قابلت شخصا وعرفته بما افعل سألني إن كان لدي عمود وفي أي يوم ينشر، وإذا ما أجبته بالنفي يقلب شفتيه ويصمت ربما أسفا علي، ومنهم من يقول لي مطمئنا “يوما ما ان شاء الله” (وكأنه يتحدث عن مشروع زواج أو منصب قيادي!!)
وفي الواقع لا أخفيكم أنني لا امانع إطلاقا في أن يكون لدي عمود في احدى الصحف الكبرى، وقد سررت جدا حين تم الاتفاق مع موقع “هافينغتون بوست” الأميركي ان يكون لي في مجال الإعلام، لكن باستطاعتي القول ان كتابة الرأي ليس هاجسي.. أو بمعنى آخر فإن حياتي ستستمر بشكل طبيعي لو يتحقق هذا الأمر، والحمد لله استطعت انجاز الكثير بدون أن يكون لي هذا “الشرف”.
لكن لا بد من التوقف قليلا عند مفهوم “العمود” في الصحافة العربية، وبحكم تخصصي في مجال الإعلام أستطيع أن اجزم ان لا قاعدة ثابتة تحتم من “يستحق” أن يكون له مساحة رأي في جريدة ما ومن لا… فهناك من يعتبره منصبا اجتماعيا كرتبة “الفارس” التي “تمنح” لقلة مختارة، بغض النظر عن مدى حصافتهم، أو رشاقة أقلامهم أو فهمهم للمواضيع التي يكتبون فيها.
وهؤلاء في الغالب لا ينظر إلى محتوى ما يكتبون بقدر ما تعطى لهم أهمية شخصية لكونهم “كتاب رأي”.
هناك أيضا فئة “المخضرمين” أو من يعتقدون أنهم كذلك على الأقل، وهؤلاء يؤمنون أن كتابة الرأي هي “المرحلة المتقدمة” من الصحافة، أو بمعنى آخر أن صفحات الرأي هي محطة ما بعد “التخرج” من العمل التحريري اليومي… أحد المؤمنين بهذا المفهوم قال لي ذات مرة حين سألته لماذا لا يكتب مقالا أن السبب يعود إلى كونه “لم يكمل 15 عاما في الصحافة بعد”… وهؤلاء في الغالب يكتبون عن شتى المواضيع، انطلاقا من “خبرتهم” في الحياة وتجربتهم لها.
وهناك فئة أخرى هي فئة “المتخصصين”، وهي الفئة التي أفضلها عموما كونها معتمدة بشكل كبير عالميا (وبشكل قليل عربيا)، و”الكتاب المتخصصين” هم الذين يكتب كل منهم في مجاله، كأن يكتب لاعب الكرة تحليلا في الرياضة، او رجل أعمال تعليقا على وضع السوق، أو خبير في المعلوماتية عن الانترنت… ومشكلة هذه الفئة هي انه من النادر ان تجد متخصصا في مجال ما له اسلوب في الكتابة… إلا أن المعلومة المستفادة تبقى هي الأساس.
وهناك ايضا كتاب “المناسبات”، بمعنى أن يكتب رئيس أو وزير أو مؤلف كتاب مثلا مقالا في مناسبة معينة كاليوم الوطني أو حدث كبير أو ما شابه (وهذا أيضا متعارف عليه في الصحافة الغربية).
اللافت كذلك هو انه في العالم العربي هناك تركيز أساسي على مقالات رؤوساء التحرير، وهو أمر ليس موجودا بهذا الشكل في الصحافة الغربية التي تعتمد مبدأ “رأي الصحيفة” أو الـeditorial وهو مقال بدون اسم يعكس رأس الصحيفة، لذلك قد يعرف كثيرون مثلا من هو روبرت فيسك نجم “الرأي” في صحيفة “ذي انديبندينت”، لكن أحدا لا يعرف من هو رئيس تحريرها!
لكن دعونا نتوقف قليلا عن نقطة “المعلومة”… فهناك لغط الاحظه دائما عند أهل “الرأي” الذين يعتبرون انهم “فوقها”.
فكثير من كتاب المقال يعتبرون أن المهم هو رأيهم، فيتجنبون ذكر مصادر معلوماتهم، أو ذكر المعلومات كليا!
اللافت هو انه في الغرب يرتكز المقال على المعلومة وليس بلاغة المفردة او “جمالية” الجملة، ولعل المثال الأشهر هو “مقال” الكاتب الشهير في جريدة نيويورك تايمز توماس فريدمان الذي كشف فيه عن مبادرة الملك عبد الله بن عبد العزيز (حين كان لا يزال وليا للعهد) والتي تحولت فيما بعد الى “المبادرة العربية”.
وهنا دعوني اقارن هذا المثال مع ما يجري في صحفنا، فأحد الكتاب في صحيفة عربية بارزة كان له مقال عن دور الإعلام (المسكوت عنه) في التأجيج للكوارث والصراعات، وجاد الكاتب في نظرية مؤامرة حول الإعلام الغربي وتطرق في خضم حديثه إلى مؤسس شبكة “سي إن إن” تيد تيرنر، واصفا إياه بـ”الإعلامي اللامع”… رغم أن تيرنر لم يكن يوما إعلاميا، بل مجرد رجل أعمال له استثمارات مختلفة!… ثم أن اخطاء الإعلام الغربي ليست اكتشافا جديدا أو سرا حتى يتم “كشفه”… فرفوف مكتبات لندن ونيويورك تغص بالمؤلفات والكتب التي تتناول “تقصير” و”انحياز” وسائل الإعلام الغربي بشكل أكاديمي وموثق… واستغرب ان الكاتب لم يشر إلى أي منها.
كاتب آخر في صحيفة بارزة منافسة كتاب عن حال العرب في القرن الواحد وعشرين “مستعيرا” (حتى نستخدم وصفا مؤدبا نوعا ما) مقدمة كتاب الصحافي الراحل سمير قصير “تأملات في شقاء العرب” بأكملها، دون أن يغير حرفا أو يشير إلى مصدرها، بل نسب نحو 700 كلمة هي متن مقاله إلى نفسه (وأنا هنا ألوم الجريدة التي نشرت وليس الكاتب).
وفي خضم الأزمة المالية التي نعيشها، كتب أحدهم في صحيفة اقتصادية سعودية تحليلا “دينيا” لما يجري في أسواق المال العالمية، خصوصا في الغرب الذي اباح الربا وجرته مطامع الدنيا إلى ما هو عليه الآن… طيب، فإذا كان هذا هو السبب؟ فلماذا الاسواق العربية والاسلامية تتهاوى أيضا؟
لا.. بل الكارثة هي أنه كلما كتب أحد هؤلاء مقالا تنهال عليه المكالمات وردود القراء التي تهنأه وتقول له عبارات مثل “أحسنت.. بارك الله فيك وكثر من امثالك” و”… في الصميم!” أو “صاروخ موجه” أو “سلم قلمك يا أبا فلان”.
على العموم، ليست هذه المرة الأولى التي انتقد فيها عدم محاسبة القارئ للإعلام، لكن أعتقد ان ثمة سبب آخر لطغيان الرأي على المعلومة.
فمع الانفتاح النسبي الذي عرفه الإعلام العربي خلال العقدين الماضيين، تسامح المسؤولون والحكومات نوعا ما مع كتاب الرأي، أو بمعنى آخر سمح لهم بانتقاد السياسات والأداء نوعا ما (رغم أن معظم المقالات تمتدح القرارات وتصفها بأنها وثبات للأمام… رغم أن اتخاذ القرارات الصائبة والاستراتيجية يفترض أن يكون عمل الحكومات أصلا!).
لكن “يا ويلك ويا سواد ليلك” ان تكشف معلومة متعلقة بقرار ما، أو بمعنى آخر تنشر تقريرا مثلا عن الاسراف في صرف الميزانية، أو “خلفيات” تعيين مسؤول في مكان ما، أو سوء معاملة أو ما شابه. (وحين يتم الكشف عن معلومة في حالات قليلة يكون لها أثر كبير… مثال: قضية غسيل المرضى في مستشفى الطائف التي كشفتها صحيفة الوطن قبل سنوات)
الأمر الآخر هو انني اؤمن ان الواقع هو اننا شعوب عاطفية، تتفاعل أكثر مع صحافي يرمي حذاءا على جورج بوش كالزيدي، ولا تأبه لآخر كشف أهوال ما يجري في “ابو غريب” مثل الأميركي سيمور هيرش…
لا تقولوا لي.. “في الصميم”، صح؟
* محرر الإعلام في جريدة “الشرق الأوسط” – مقال يعبر عن رأي الكاتب وحده
I just want to mention I am all new to weblog and truly savored your website. More than likely I’m planning to bookmark your website . You amazingly have beneficial writings. Bless you for revealing your web-site.
[…] والاستراتيجية يفترض أن يكون عمل الحكومات أصلاً! (فيصل عباس) تصوير عوض […]
ندوة في الرياض تشبه كتابة العمود بممارسة الجنس (نقلا عن إيلاف)
http://www.elaph.com/Web/AkhbarKhasa/2009/4/429012.htm
في محاضره لفن كتابة المقال للكاتب داؤد الشريان
العمود الصحافي.. صناعة الكلمة أم ممارسة الجنس؟
سعيد الجابر من الرياض: شبّه الكاتب الصحفي داؤد الشريان كتابة العمود الصحافي بالعلاقة الجنسية، وقال أن كتابه بلا ذروه كممارسة الجنس بلا ذروه، وشدّد الشريان على أن الكلمة الأولى في كتابة العمود الصحافي هي الأهم من بقية النص، كما شبهها بالطلقة النارية التي يجب أن تخرج لتصيب الهدف، جاء ذلك في محاضرة أقامها النادي الأدبي بالعاصمة السعودية الرياض مساء أمس عن صناعة العمود الصحافي للكاتب السعودي داؤد الشريان حيث تطرق فيها للمعايير المتقدمة في صناعة العمود الصحفي والأسس العلمية القائم عليها كتابة العمود الصحفي بشكل محترف.
وأنتقد الشريان في معرض حديثه عن الصحافة السعودية وتجربتها في استكتاب كتاب الرأي، والتضخم الذي يشهده عدد الزوايا الكتابية في كل صحيفة، مشبهاً ذلك بــ “الشرهات” التي يقدّمها رؤساء تحرير الصحف لأصحاب المقامات العليا من وزراء أو رؤساء قطاعات سابقين وغيرهم.
داؤد الشريان الإلكتروني، هكذا يطلق عليه أحد المتابعين حينما سرد الشريان الفرق بين الكتابة المتقدّمة عبر الكمبيوتر والقديمة الورقية، وأشار الشريان إلى المراحل المتقدّمة في العصر الإلكتروني الحديث عبر محركات البحث التي يصل بها القارئ إلى كل ما يريد حول العالم بمجرّد البحث إلكترونياً، ونقل الشريان تجربة للإعلامي السعودي الدكتور سليمان الهتلان في نيويورك قبل أعوام، حينما أختلف مع أحد إعلاميي الولايات المتحدة الأميركية، نظراً لاختلاف الثقافات بالمفهوم الدارج لطريقة البحث إلكترونياً (القوقله) عن كاتبٍ معين أو أي شخصية ناشطة حينها، مما دعا الهتلان أن ينقل تجربته بطريقة الفكاهة لزملاء المهنة كي يعكس لهم مدى الأهمية في ذلك.
وفي بداية المحاضرة قال داؤد الشريان أن عناصر الكتابة 4، والعنصر الأول أن العمود الصحافي ينطبع بطبع الإنسان، هل هو هادي أو متطرف، والإنسان يتغير مع تغير الزمن، فمن يعيش في الثلاثينات يختلف عمن في الأربعينات وكذا. العنصر الثاني هو القراءة، ثم تأتي مسألة التأثر والإعجاب، وان كان موهوبا سيجد طريقه الخاص، إضافة للإختصار والمباشر والبعد عن المقدمات.
وفي رد لسؤال أحد الحاضرين عن واقع المقال في الصحف السعودية، أجاب الشريان عن ذلك بأن المقال في السعودية بأنه أصبح سلطة تابعه وليس سلطة رابعة، وذلك بناءً على رؤيته الحديثة للواقع الصحافي في البلاد، كما بين الشريان أن الكاتب يجب أن يكون له موقفاً تجاه القضية التي سيكتب عنها وإلاّ سيكتب عموداً صحافياً غير لائق كتابياً، وبين أن ذلك يتضح في كتاب التيارات والأحزاب والدول الذين لهم موقفاً واضحاً للمتابع.
الشريان كان قد أثار قضية دبلوماسية في ثلاثة مقالات نشرتها صحيفة الحياة اللندنية، ودخل بها مناظرة مع أحد أعضاء السلك الدبلوماسي لدى السعودية، وأشارت أصابع الجدل حينها إلى دول الإتحاد الأوربي والأنظمة واللوائح التي يتطلّبها استخراج تصريح الدخول لدول أوربا وهو ما يُدعى بـ”الشينغين”، إضافة إلى شروط تعسفيّة تُفرض على المواطن السعودي بخلاف الجنسيات الأخرى- على حد تعبير الشريان-.
وشهدت المحاضرة التي تعرضها “إيلاف” صوتيا أعلاه مداخلات من عدد من الحضور كان أبرزهم الكاتب السعودي عبدالله بن بخيت، والإعلامي سلطان القحطاني وعدد من الإعلاميات السعوديات التي كُنّ حاضرات في الخيمة المخصصة للنساء في النادي الأدبي.
في الصميم بالتأكيد ما أعاني منه بصراحة هو كون
صحفنا لا يوجد فيها مساحة حرية للحد الذي نتمكن فيه
من طرح تقرير عن فساد أداري في جهة ما أو نتحدث مثلاً عن سرقات في
ميزانية الدولة فهنا ستقع في ورطة كبيرة
الا اذا كنت مسنوداً و ورائك ظهر شامخ 🙂
مرحباً..أخي فيصل ، بحكم تخحصصي الأكاديمي في الإعلام فأشاركك الرأي تماماً..والمشكلة ليست في هذا الانتهاك المهني فحسب بل وحتى في الخبر الذي لا أدري كيف يسوغ لكاتبيه كتابة آرائهم وانطباعاتهم فيه !
المهنية ..المهنية ..المهنية
مفقودة كثيراً..وكثيراً جداً في صحافتنا ..
بالتوفيق أخي فيصل ..يسرني قراءة مقالات نقديه كهذه ..
احببت ما كتبت بشكل قد لا تتصوره (!) فانت اختصرت وافصحت وكشفت لي فعليا عن سبب عزوفي عن قراءة الاعمده الصحفيه الا التي تنتقد البوم غنائي جديد او ما شابه كونها اشبه بتقرير عن الالبوم مع بعض الرأي الشخصي .
اضيف الى وجود لبس لدى العرب بين الصحفي والاديب فكثيرة هي الزخارف اللفظيه والغوص في قواميس اللغه لازعاج المتلقي (!) وكانها استعراض قدرات واثبات من قبل البعض للمتلقي بان قاموسه اصغر من ان يفهم ما يكتبون وللامانه فهم يستخدمون كلمات بعضها لم يعد يستخدم فعليالا على ارض الواقع ولا في الكتب التي تصدر ومن رغب بالادب ذهب اليه اما الصحافة فهي مستوى مختلف وصحافة المعلومات او حتى التخصص الصحفي الموجود حاليا فهو غير موجود فعلا فالاقتصاديه الصحيفه تضيف موضوعات كثيره وكذلك سيدتي تضيف موضعات عده حتى مجلات الشعر الشعبي (!) لتصبح في الاغلب معنونه بكونها متخصصه وهي في الختام تشبه المتبقي وليست متخصصه البته …واريد ان اكتب كلمة لا تمثل اسلوبي ولا هي من عباراتي ولكن قد تصبح .. ( في الصميم ) يافيصل عباس .. صح في الصميم 🙂
هههه.. وليش يقرا يا اخوي فهد؟ ما هو اتم العلم ما شاء الله !
اخت زينب اشكرك على رسالتك
اخ عبد الرحمن، “في الصميم” 🙂
هلا بالاستاذ فيصل
احلى شي مرة قابلت كاتب في جريدة محترمة ومعتبرة في السعودية وهو كاتب أسبوعي متخصص قالي (انا مشكلتي يا فهد اني اكتب بس ما أقرأ)انا حسيت اني انغثيت من حديثة مدري اضحك مدري امشي مدري وش اسوي. كيف الواحد يكتب بس ما يقرأ قالي انا من زمان ما قريت كتاب ومن زمان ما قريت دراسات.
طيب اذا ما تقرأ كيف تكتب ودي افهم بليز الله يخارجنا بس.
بس الرهيب الكاتب اليومي اللي ما ادري وش يبي كل يوم مقال من السياسة الى الاجتماع الى الطبخ الى كفرات السيارات وشوي على وزارة الصحة والتعليم وشوي هن التكاسي والكباب والفلافل وشوي عن الصوم والعبادة والروحانية وما يمنع شويت اقتصاد على مود الازمة العالمية والوضع العراقي وجزمة منتظر يا عيني.
نعم هناك الكثير من الكتاب من يستعير المقالات من الاخرين دون نسبها الى صاحبها, وهناك فشة من كتاب الاعمدة الصحفية والذين يتحدثون اللغة الانجليزية يقرأون مقالات بالانجليزية ويترجمونها وينسبونها لأنفسهم
للأسف الامانة مفقودة .
طرحك جميل .
اشكرك
صاروخ موجه 🙂