في بوتقتي التي تحتظنني كل ليلة في شقتي المطلة علي بحر الدوحة أبقى وحيدا مع فكري و قد أزدحم فؤادي بمئات المشاهد و الصور المنقولة لتلك الساحات البعيده المكتظة بألاف الأرواح و ملايين العيون، أسأل ثم أتوقف ثم أفكر ثم أتوقف ثم أسترجع ثم أتوقف ثم ما ألبث أن تعتريني
قشعريرة المكان و حساسية الزمان و غثيان العبث الإنساني و قدرته في النظر في وجه التاريخ ليكرر دون خجل و بسبق إصرار و ترصد ذات الأخطاء و بذات المنهجية ليدلل لي بأننا بنو البشر قد جبلنا على أن لا نتعلم من التاريخ و لا أن نتدبر دروسه.
قرأت قبل نحو إسبوع رواية لغسان شبارو ( بيروت ١٩٨٢) و التي تحكي حياة اللبنانيين في تلك السنة التي شهدت الإجتياح الإسرائيلي لبيروت و طرد قوات منظمة التحرير منها و ما تلى ذلك من إغتيال الرئيسي اللبناني بشير الجميل و تبعاته مما جرى في مجزرة صبرى و شاتيلا، و قد وجدت في الرواية صورا كثيرة و حوارات و تمنطق سياسي يتشابه لدرجة مثيرة للشفقة لما يجري هذه الأيام في هذا العالم الذي لا زال يعتقد بأن الحروب و بث الفرقة بين أبناء البلد الواحد هي الوسيلة الوحيدة لخدمة مصالح الأوطان و الشعوب.
ربما الهرب بإتجاه الخيال في تلك الأجواء الليلية الهادئه على ضفاف تلك المدينة الحالمة و البعيدة عن صخب التجاذبات و التوترات هو القرار الأفضل لمن هم مثلي ممن لا يجدون في الواقع المعاش أي معنى سوى العبثية و تكرار التجارب المخزية لتاريخ لم نتعلم منه أي شئ، فبيروت التي مزقتها الطائفية و المحسوبية السياسية و المزايدة جعلت من لبنان اليوم كما كانت قبل حربها الأهلية دولة لم تتطور سياسيا و لم تتقدم إقتصاديا و لم ترتقي درجة واحدة في سلم الدول المتحضرة، بل بقي الحديث عن المحاصصة و التحزب و الطائفية أسس هذه الدولة التي يبدو أنها أدمنت لغة الفرقة تماما كما نقلته لنا أحداث رواية شبه حقيقة لعام أتى قبل هذا العام بتسعة عشر عاما.
منذ أن أنتقلت للعمل لقطر و أنا أقرأ الصحف الورقية كل يوم السعودية منها و القطرية، لعلي أحاول من فرط إشتياقي أن أقترب بخبر من هنا أو صورة من هناك لأرض الوطن، فقد خلقت لنفسي مكانا و روتيانا و محيطا يأخذني عبر المكان لعالم من التواصل الفكري على غرار ما إبتكره هؤلاء الرجال الذين تجاوزوا السبعين من العمر و الذين يتوسدون مقاهي دمشق و القاهرة و ديوانيات الكويت و البحرين حيث يتبادلون فيه القصص بعد أن يبهروا حقيقتها بالخيالات المنبعث من تجارب تاريخهم المتكرر، و في كل مرة أقلب فيها صفحة الجريدة أشعر بأن الخيال أصبح قريبا مني و أن الحقيقة أصبحت تبعد شئ فشئ و يبدأ الواقع الجميل الذي أحاول أن أخلقه لنفسي يتجلى في مواجهة واقع هذا العالم الذي ما زال يقرر كل يوم أن يعيد تجارب الماضي بكل تفاصيلها المقيته.
أدخل للنادي الصحي كل يوم في تمام الساعة السادسة مساء لتستقبلي الموظفة بإبتسامة عريضة و تحية شخصية تقديرا لكوني من أوائل المشتركين في هذا النادي الجديد و هو الأمر الذي أكسبني معاملة خاصة من قبل موظفي النادي، أتجه نحو صالة تمارين الحديد ليستقبلي هناك المدرب الشخصي لنتبادل التحية و نتحدث سريعا عن برنامج التدريب المقرر، نبدأ فيسألني عن ما هي آخر أخبار اليوم و هل هناك أي نوع من الإنفراج في حالة هذا العالم الذي يحيطنا فأبتسم و أعيد توجيه السؤال له فيتنهد و يبدأ في ربط ما يحدث اليوم من خلال إستذكار تجاربه الشخصية عندما كان طفلا و كيف عاش تفاصيل الحرب اللبنانية الأهلية بكل صورها القبيحة و المقززة و الغير إنسانية.
في بوتقتي وجدت بعضا من الإيجابات التي أبحث عنها و تكشف لي درس من دروس بني البشر في هذا العالم المختل على ذاته، فمدربي الذي عاش حربا أهلية بكل تفاصيلها لا زال يسأل كيف ستتجه الأحوال و هو لازال ينتظر إيجابة تطمئنه و تنور مداركه، في وقت هو ذاته لا يعلم أنه يملك الإيجابه عن كل تلك الأسئلة التي تحيره، فهو الذي لامست روحه جسد الرصاص و هو الذي دمعة عيونه خيانه الأخ و هو الذي ولد من تناقضات والديه إلا أنه و للأسف مثل الملايين من أبناء أدم أصبح فريسه لبصيرته الإنسانية الغير متبصرة فلم يتمكن بعد من فهم أن للتاريخ نمطية واضحة حيث أنها أحداث يصنعها الإنسان و يعيشها الإنسان و يسهم دون إرادة لتثبيت حقيقة التاريخ الوحيدة و هي أنه دوما يتكرر
I simply want to say I am very new to blogging and definitely savored your web-site. Probably I’m planning to bookmark your site . You amazingly have incredible posts. Thanks a bunch for sharing with us your web site.
الكلام بجد حلو اوى والموقع تحفة ربنا يوفقكم ان شاء الله وفى انتظار الجديد .
المقال رائع اسلوبك جميل بالكتابة اتمنى لك التوفيق ….
أن للتاريخ نمطية واضحة حيث أنها أحداث يصنعها الإنسان و يعيشها الإنسان و يسهم دون إرادة لتثبيت حقيقة التاريخ الوحيدة و هي أنه دوما يتكرر-
صدقاً والعجيب أن الناس تعرف رتكرر عبارة التاريخ يعيد نفسه ولكن لم يقفو لحظه للتمعن في معنى هذه الكلمات الثلاثة التي تكون جملة ترسم أحداثنا اليومية ..