الآغا بسام الملا

التقيت بالآغا كما يسميه المحيطون به في مكتب صغير في الدور الثاني من مبنى مديرية المسارح و الموسيقى التابع لوزارة الثقافة السورية في عصر ذلك اليوم البارد من شهر يناير من العام السابع و التسعون بعد ألف و التسعمائة، و قد رتب لذلك اللقاء صديقنا المشترك نقيب الفنانين السوريين و مدير عام المسارح و الموسيقى في وزارة الثقافة السورية الفنان المبدع أسعد فضة و الذي قدمنا لبعض على أننا أبناء جيل واحد من الفنانين و المبدعين العرب حسب وصفه المجامل و بذلك كان لقائي الأول بالمخرج
الفنان بسام الملا و هو لقاء كنت أنتظره بفارغ الصبر خصوصا و قد كنت من المعجبين بأعماله التاريخية التي كنت قد شاهدتها من قبل مثل مسلسل(العبابيد) و مسلسل (أيام شاميه).
كان ذلك اللقاء قد رتّب من أجل التفاهم حول مدى رغب بسام في إخراج مسلسل تلفزيوني كنت مكلفا بإنتاجه لصالح التلفزيون السعودي لعرضه تزامنا مع احتفالية المملكة بمئوية الرياض، و هو العمل الدرامي الذي حمل اسم (زمن المجد) و المستوحى من السلسلة الأدبية التراثية (أي بني) لمؤلفها معالي الدكتور عبدالعزيز الخويطر وزير المعارف السعودي السابق.
لم يدم ذلك اللقاء أكثر من ساعة تحدثنا في العموم عن الرؤية الإخراجية التي يؤمن بها بسام تجاه الأعمال التي تزاوج التاريخ بالحاضر و تلك الأعمال التي تهدف لإرسال بعض الرسائل السياسية و الاجتماعية النبيلة، و قد حاولت أن استكشف من ذلك الحوار مدى تقبله و تفهمه في ذات الوقت للأهداف التي كنا قد رسمناها لهذا العمل و الذي في كثير من أجزائه كان مسيسا بطبيعة الحال.

أحسست منذ لقائي الأول هذا بأن العمل مع هذا الشخص سيكون ممتعا وسهلا في ذات الوقت خصوصا و أني كنت قبل أن التقية قد التقيت باثنين من أكبر مخرجي سوريا لذات الغرض و هما نجدت أنزور و هيثم حقي إلا أني لم أجد فيهما ما كنت أبحث عنه من مخرج مستعد في أن يتفاهم و يتقبل الآراء و يرى بأكثر من عين عملا له من الأهداف ما هو أبعد من كونه عملا فنيا فحسب، و هو ما وجدته في بسام الملا و الذي كان يبدي دائما استعداده بل رغبته في سماع الرأي الآخر خصوصا في الأمور التي ترتبط بالجوانب الثقافية التي تختلف بين بلد عربي و آخر.

كانت رغبتي في العمل مع بسام في إنتاج ذلك المسلسل تكمن في أنه سبق أن قام بإخراج أعمال تاريخية مزجت في ثناياها قصصا لها إسقاطات سياسية واقعية مع الاحتفاظ بالحقائق التاريخية و الوقائع التي نقلتها لنا كتب التاريخ و السياسة دون قيامه بالتدخل من أجل تحوير حدث أو تغيير حقيقة من أجل جمالية الصورة و روعة الفانتازيا كما يفعل مثلا نجدت أنزور.

أستغرق إنتاج مسلسل (زمن المجد) أكثر من 18 شهرا ما بين كتابة و إعادة صياغة السيناريو و ما بين التخطيط للتصوير و اختيار الممثلين و التصوير و المونتاج مرورا بتصميم و بناء مدينة تراثية على مساحة عشر آلاف متر مربع في ريف دمشق تمثل الدرعية القديمة كما كانت منذ مائة سنة، و الانتقال لأكثر من 280 موقع تصوير في كل من السعودية و سوريا على مدار ثمانية أشهر من التصوير موزعه ما بين مشاهد معاصرة و مشاهد صحراوية و بادية و مشاهد القرية و الحاضرة.

فريق عمل مسلسل زمن المجد من اليمين: نواف الحديدي (كاتب السيناريو)، أسعد فضة (المستشار الفني)، نيقولا نصر(مدير الإنتاج)، بسام الملا ( المخرج)، ياسر الغسلان( المنتج الفني)

بسام الملا في تقدير هو أكثر من مجرد مخرج مبدع هو أستاذ فنان في تأريخ التاريخ و مدقق مرهف لقصص الماضي بكل تفاصيله الزمنية و المكانية، و ناقل أمين لهم شعوب عاشت مراحل تاريخية حساسة مروا من خلالها بتقلبات السياسة و تأزمات التطور الاجتماعي السريع.
و على العكس مما هو معروف عن الوسط الفني من بوهمية و فساد أخلاقي و معنوي إلا من رحم الله، فقد عهدت بسام الملا و الذي عايشته لأكثر من سنتين تزاملنا في العمل و في السفر لكل من لبنان و سوريا و مصر و السعودية بأنه إنسان أبعد ما يكون عن الحياة التي اشتهر بها الفنانون، فهو المحب لعائلته الصغيرة و مخلص و معطاء لكل أفراد طاقم العمل و طيب القلب و لطيف اللسان و محترم في إدارته للناس و العمل، فلم أسمع منه قط كلمة خارجه عن الأدب و لم أشاهده أبدا في وضع معيب و لم يكن في يوم فضا غليظا بل كان دائما كلمة حبيبي تسبق مناداته لأي شخص.
لا يختلف اثنان بأن أعظم الأعمال الدرامية في العشر سنوات الأخيرة و أكثرها نجاحا و مشاهدة هو مسلسل (باب الحارة) بأجزائه الثلاثة و الذي يجسد الحياة الدمشقية في حقبة زمنية سابقة بكل ما تحويه من أحداث اجتماعية و سياسية مليئة بالرمزية و الرسائل المبطنة التي تحكي واقعنا العربي المعاش و تجعل المشاهد يبحر في عالم المعنى دون أن يعلم أين يستقر، و هذا النجاح في تقديري ما كان ليكون لولا أنه عمل قد خُتم بختم الجودة الفنية التي تحترم الجمهور و عقله و ترتقي بالفن و أهله ذلك الختم الذهبي الذي أصبح مقياس الفن الراقي و أساسا للمزاوجة بين النجاح التجاري و النجاح الجماهيري و النقدي، ذلك الختم الذي يحمله و هو صانعه و الذي نعرفه كلنا باسم بسام الملا.
فتحية تقدير و إجلال مني لك يا ابا شام و أقول لك بالسعودي (مطّول الغيبات جاب الغنايم).


أرسلها عبر الفيس بوك
انشرها عبر تويتر

عزيزي زائر المدونة أشكرك على تلطفك بالمحافظة على النقاش الهادئ و المتزن و الهادف للإستفادة و الإفادة. تحياتي ... ياسر

8 responses to “الآغا بسام الملا”

  1. manicure

    Hi! This is my 1st comment here so I just wanted to give a quick shout out and
    tell you I truly enjoy reading through your blog posts. Can you recommend any other blogs/websites/forums that go over
    the same topics? Appreciate it!

  2. Luigi Fulk

    I just want to say I am beginner to blogs and truly savored your web-site. Likely I’m want to bookmark your blog . You actually have good articles. Thanks a lot for revealing your blog.

  3. ميقات الذاكرة

    تعجبني كثبراً تدوينات الذكريات
    والرحالات .

    مفاجأة كانت لي انتاجك الفني

    دمتم ..

  4. بندر الحسن

    من الايام

  5. بندر الحسن

    ما شاء الله يابو عبد العزيز حتى الانتاج الفني طاله من الحب جانب صحيح انك موسوعه اعلاميه مهنيه, اتمنى اكون مثلك في يوم من .

    تحياتي

  6. o T h M a N

    الصورة الاولى تذكرني بصورة ابطال في الملاكمة ….أ م ز ح
    ط
    ي
    ب
    صراحة لو ماعند بسام الملا في مسيرته الفنية الا هذا المسلسل أعني مسلسل باب الحارة لكفى..
    هذا بختصار

  7. محمد

    قبل أن أتحدث عن بسام الملا ..

    أود أن أشكرك حقيقة، لإن مسلسل زمن المجد الذي عرض بالتزامن مع 100 عام كان بالنسبة لي من أروع المسلسلات السعودية..
    وحتى الآن لم أجد عملاً ينافسه من الأعمال السعودية ..
    شكراً يا ياسر على هذه الروعة ..

    فيما يخص المخرج بسام الملا فمن خبرتي الفنية البسيطة أرى أن مسلسلاته ناجحة بكل ماتعنية الكلمة..
    وأبدع كثيراً فيما يخص مسلسل أيام شامية ..

    تدوينة رائعة وذكريات جميلة ياسر..
    موفق بإذن الله

  8. فهد العتيق

    زمن المجد كان ممكن يكون عمل يخلد تاريخ المملكة لو انه تم التعامل معه كمسلسل باب الحارة ولكن الخطوط الحمراء والبنفسجية والبرتقالية جعلت منه عمل ممسوخ لا طعم ولا رائحة له.

    لو تم تطبيق جزء بسيط الافكار التي تحدثت لي عنها لكان ممكن يكون بالفعل عمل غير طبيعي ولكن ممكن يكون لعاملي التوقيت والخبرة الانتاجية للتلفزيون السعودي قللت من حظوظ النجاح. مقارنة بالكادر الفني والابطال والميزانية الانتاجية.

    خيرها بغيرها وعقبال ال 200 سنة القادمة يكون لها نصيب اكبر

اترك تعليقاً