تأملات في صراع مجتمعنا السعودي مع التغيير

** في الحقيقة نحن نشهد في كل حين صراعاً بين النسق والتغيير، أياً كان هذا التغير منشوداً أو مرفوضاً (يعني لنضع قيمة هذا التغيير جانباً) ، على كافة المستويات في الشارع وفي الدوائر الحكومية وفي الإعلام المرئي والمسموع والمقروء والمؤنتر (على وزن مُفعّل) ، ولا يكاد يمر يوم بدون أن نلحظ فيه صراعاً بهذا الشكل.

** هبّت على بلادنا – ابتداءً – رياح الحداثة في فترة الثمانينات، وقد شهدت “مرحلة الحداثة” صراعاً ساخناً وفريداً من نوعه بين أنصار النسق وأنصار التغيير، واستخدم الكل أدواته الممكنة بما يستطيع، فكان الإعلام (المطبوعات والنوادي الأدبية) ميداناً للحداثيين ، وكانت المنابر والمساجد ميداناً للإسلاميين. وبغض النظر عن محتوى المشروع الحداثي، إلا أن موجة الحداثة كانت ضربة قوية للمجتمع المحافظ ولكل المحافظين، ولا يمكننا الجزم بانتصار فريق على آخر لأن مشروع الحداثة أساساً كان من مقتضيات التطور في تلك الفترة، يعني إذا لم يظهر المشروع على أيدي فلان وعلان، فسيظهر لا محالة بأيدي غيرهم وبوسائل مختلفة، وبمعنى آخر لو ظهر المشروع في الفترة الحالية لما حصل الصراع الفكري مثل الماضي بسبب توسع المدارك لدى الجميع. القانون الذي نود تسجيله -من منظار تأملي- هو أن “المقاومة” لا تكف أبداً مادام هنالك تغييراً ضد أفكار سائدة أياً كانت، فمشروع الحداثة يواجه المقاومين ، ومشروع تجديد الخطاب الديني يواجه المقاومين، ومشروع تجديد الفتوى يواجه المقاومين، ومشروع التغيير الاجتماعي يواجه المقاومين، ومشروع التطوير الثقافي يجد المقاومين، ومشروع التجديد الأدبي يواجه المقاومين، ومشاريع النهضة والإصلاح واجهت المقاومين من تعليم للمرأة وغيره  … إلى غير ذلك من مشاريع التغيير، والتي سواءً كانت على حق أو باطل ستجد المقاومين لهذا التغير، ولن يحصل يوماً ما أن نقوم بمشروع “نراه” إصلاحي يواجه ثقافة سائدة ولا يواجه مقاومة!!

** بعد ضربة الحداثة، صارت البلاد تواجه مشروعاً جديداً بين حين وآخر، وإن اختلفت الأسماء وتباعدت الأهداف، إلا أن “المحرك” واحد لا يتغير، فكان مشروع إدخال التلفزيون إلى البيوت (وإن لم يكن له أنصار بارزون لكنه يظل من مظاهر التغيير) وما صحبه من الضجيج والاحتجاج، وجاء مشروع الانترنت وثورة الجوالات والتكنولوجيا، وجوالات الكاميرا، وهذه كلها تبعات مادية لطبيعة التطور الرقمي أولاً ثم لمشروع الحداثة ثانياً، حتى كانت “قيادة المرأة للسيارة” وعادت الدائرة من جديد لتبدأ اسطوانة أخرى! ويبدأ درس جديد في أن الناس تنشغل بالمقاومة عن قضايا أساسية.

** لا أريد تضخيم الأمر وإعطاء المسألة أكبر من حقها، الذي أريده هو قراءة الحدث قراءة تأملية لأخذ العبرة للمستقبل، فقيادة المرأة للسيارة كانت بمثابة (الشرارة) التي أعادت بعث الصراع بين النسق والتغيير، وقيادة المرأة للسيارة هي أكثر المسائل الاجتماعية البحتة التي اتخذت غطاءً دينياً، وظهرت على السطح الكثير من الترسبات القديمة مورست عن طريق جلد الآخرين، من كلا الأطراف المتصارعة. وبعد ان انقشعت السحابة وذهبت، اكتشف الناس أنهم انقادوا للضوغط النسقية في شدة رفضهم لقيادة المرأة أو تأييدهم لها، وإلا.. فقضايا ظلم المرأة وحرمانها من حقوقها الشرعية وحرمانها من حق الاختيار وممارسة الوصاية الكاملة على قراراتها كله أعظم بمئات السنوات الضوئية من قيادة المرأة للسيارة! ولكن أحداً لم يتوجه للانتصار لهذه القضايا كانتصاره لأن تقود المرة أو لا تقود! فدافع مقاومة التغير أو الانتصار له قد غطّى على هذه القضايا.. وهذا هو العمى الحقيقي حينما لا يرى الإنسان إلا ما يُخيّل له أنه الواقع!

** قوة السلطان والقوانين، استُخدمت سابقاً يوم كان الناس لايرون إلا ما يُراد لهم أن يروه! ، فهو لا يعرفون سوى “غصب 1″ مصدراً للمعلومات والأخبار وكافة الشؤون الحياتية على مستوى البلد، ولذلك كثيراً ما تُمنى حركات التغيير بقمع القوانين والأنظمة، على الأقل التجاهل التام، ولكن اليوم! فالأمر اختلف وانفتح البلد والعالم كله على بعضه ولم يعد خفياً على العامي ما يحدث في العراق والانتخابات الأمريكية فضلاً عن الشؤون الداخلية للبلاد ، وهذا كان في صالح التغيير ولاشك، وعادت القوى تقريباً متوازية ما بين النسق والتغيير، مقبض الأمر في إدارة الصراع ليس إلا!

** وفي الختام، وبعد أن شاهدنا مدى التخبط في الصراع وانعدام التنظيم والتخطيط من كافة الأطراف ، ولم تكن سوى العواطف والحظوظ والمؤثرات العالمية هي المحرك الوحيد لما بالداخل، فقد بدأ عصر التنظيم إذ ليس أمامنا كقواد للتغيير والإصلاح إلا الكفاح والنضال السلمي المدروس بعناية، مستفيدين من علوم الإدارة في التخطيط الاستراتيجي والمرحلي ، ومن علوم الهندسة النفسية في الإقناع والتأثير على الرأي العام ، ومن العلوم التكتيكية في التحركات والتحالفات والمفاوضات ، ومن كافة العلوم التي تجدر بأن تكون “عدة” للوصول للهدف المنشود (الرقي بالمجتمع المسلم).

ماهو معنى الحياة بدون إيمان ؟؟ وماهو معنى الإيمان بدون نضال؟؟؟

الموضوع من مدونة (s o m e o n e) و تجدونه على هذا الرابط

 


أرسلها عبر الفيس بوك
انشرها عبر تويتر