قيادة المرأة أم إستقلال المرأة

تلقيت خلال الأيام الماضية مجموعة من الرسائل عبر بريدي الإلكتروني و التويتري تسألني عن موقفي من موضوع قيادة المرأة للسيارة في المملكة و من الحملة التي أعلن عنها في الفيسبوك دعما لمطالب المرأة في قيادة السيارة و التي حدد لإنطلاقتها يوم ١٧ يونيو الماضي.
موضوع قيادة المرأة للسيارة لم يكن في يوم في تقديري قضية دينية أو مسألة شرعية كما حاول من حاول لسنوات طويلة الترويج له، وبالتالي فإن رأيي حيال هذا الموضوع هو نتاج قناعة تولدت لدي من تلاقح أفكاري التي بناها مجتمعي القريب و البعيد بكل ما فيه من مناهج دراسية و دروس دينية و عادات إجتماعية و أسس ثقافية.
إن القول بأن المرأة تطالب بحقها في قيادة السيارة هو من منطلق حرصها على عدم الإختلاط بالسائق و من أجل القيام بدورها بالمشاركة بالمسئولة مع الرجل في تدبر أمور المنزل هو قول فيه تمويه ذكي و تحايل منطقي يشابه لحد كبير التمويه الذي طالما إستخدمه الطرف الرافض لقيادة المرأة و القائل بأن سماح المرأة بالقيادة سيؤدي بها للفجور و التفسخ الإجتماعي و الإنحلال، بينما في تصوري الأمر لا يتعلق لا بالمشاركة بالمسئولية ولا هو يتعلق بالإنحلال الأخلاقي، المسألة بكل بساطة ترتبط برفض طرف و دعم الطرف آخر لفكرة “إستقلال المرأة عن الرجل” و ذلك في إتخاذها لوحدها لقرار تحركها و بمعزل عن أي إذن تأخذه من رجل زوجا كان أو أخا أو أبا أو حتى إبنا، و هي الفكرة الخلافية الأساسية التي حتى الآن لم يتجرأ أي من الطرفين الطرق لها و لأسباب أعتقد أنها تتعلق بضعف الحجة لدى الطرفين و الخوف من مواجهة فكرة الرفض و التأنيب التي قد يواجه بها في حال أعلن هذا الرأي صراحة.
مبدأ الإستقلال هذا هو الذي تهدف له حملة القيادة كما أرى و هو الأمر الذي بالمقابل ترفضه الجهة المقابله و الرافضة للحملة و أهدافها، فبين الطرفين تستمر لعبة القطة و الفار حول موضوع لا يشكل إلا رمزية لمطالبة غاية في الحساسية و الثورية في مجتمع محافظ تتمثل في حق الإنسان في أن يكون له الرأي و الحق في التصرف دون الحاجة لإذن من أي شخص آخر.
الرجل هو كائن تسلطي بطبيعته و هو أمر لا يحتاج لإثبات حيث أن الشواهد عبر التاريخ كثيرة على ذلك، و بالمقابل فإن المرأة بطبيعتها مكارة و ملتوية و إنتهازية تمتلك القدرة على التلاعب كيفما تريد لتحقق أهدافها، و لكن رغم ذلك فهي لا تمتلك الشجاعة لمواجهة الخصم بالمطلب الحقيقي، فهي تعلم مثلا بأنها لن تتمكن من أن تكسب التعاطف المجتمعي لو طالبت بحقها في أن تخرج من منزلها متى ما أرادت و أن تستقل في قرار تحركها حيث أنها تدرك بأن مجتمعها بتركيبته لا زال يتحرك وفق العقلية الذكورية المبنية على الشك و السيطرة و هي العقلية التي تثبتت بمساهمة من المرأة نفسها في تنشأت مجتمع أحادي القطب.
يجب أن لا أغفل هنا بأن هناك بالفعل سيدات كان لمطالبتهن أسس إقتصادية و إجتماعية و عائلية إلا أنها لا تشكل سوى أقلية في تقديري و بالتالي يبقى رأيي بأن التحرك الحقيقي يرتكز على أساس فكرة إستقلال المرأة في قرار تحركها عن الرجل و هو الموقف الإنساني الذي يختلف حوله الطرفان دون أن يكون لديهما الشجاعة بتسمية الأمور كما هي.
شخصيا لست ضد قيادة المرأة للسيارة حيث أن العملية ذاتها و المتمثلة بقيام مرأة بتشغيل سيارة و الذهاب بها لمكان معين لا تعني بالضرورة قيامها بجريمة شرف أو تجاوز أخلاقي أو قانوني تماما كما الحال عندما تقوم المرأة ذاتها بالركوب مع سائق و الذهاب لبيت صديقتها أو لأحد الأسواق و الذي لا يعني أنها ستقوم بأي تجاوز أخلاقي خلف سور بيت صديقتها مع من قد لا تكون صديقتها أو في أحد محلات ذلك السوق أو ذاك كما يتوهم المشككون الذين يرون أن المرأة إن لم تضبط فهي آلة للخراب الشامل.
و في ذات الوقت أتحفظ عن القبول بفكرة قيادة المرأة للسيارة دون وجود أرضية قانونية و آليات تنفيذية تأطر العملية، حيث أن إنعدام مثل هذه الأرضية ستؤدي لنتائج سلبية على المستوى الإجتماعي و الإقتصادي على المدى القصير، خصوصا إذا ما نظرنا تجاه المشاكل التي قد تحدث مثل زيادة الإختناقات المرورية و حوادث الطرق و التجاوزات الأخلاقية و النظامية على النساء من بعض الشباب الطائش، حيث أن الإنتقال من حالة إلى حالة دون مرورنا بحالة التجريب و التحليل و التعديل ستؤدي بنا إلى حالة من اللاتوازن وبالتالي لنتائج عكسية لم تكن في الحسبان، و كلنا يتذكر كيف إحتفل مجموعة من الشباب الغير منضبط قبل عام في المنطقة الشرقية باليوم الوطني، أو كيف إنتهت طفرة الأسهم في سوق لم يراعي مستقبل أغلبية المساهمين و حمايتهم من أجل الكتسب المنطقي.
أعلم بأن بعضكم سيقول أنت ضد و بعضكم الآخر سيقول أنت مع و لكني أقول بدون أي محاولة للتمويه بأني مع و لكن وفق أسس تحمي المجتمع من سيئاته وضد أي ممارسة تأتي من منطلق ركوب موجة المطالبات غير المدورسة و الخطاب التهييجي الرومنسي المبني على الوزن السياسي ” الشعب يريد الراحة بالزحام”.
و أخيرا أقول … بين مؤيد و معارض لقيادة المرأة تبقى الحقيقة غائبة، فمن تكون لديه الجرأة لمواجهة الناس بموقفة من فكرة إستقلال المرأة؟


أرسلها عبر الفيس بوك
انشرها عبر تويتر

عزيزي زائر المدونة أشكرك على تلطفك بالمحافظة على النقاش الهادئ و المتزن و الهادف للإستفادة و الإفادة. تحياتي ... ياسر

10 responses to “قيادة المرأة أم إستقلال المرأة”

  1. Gregory Despain

    I simply want to tell you that I am just all new to blogging and definitely liked this blog. Most likely I’m going to bookmark your website . You actually come with beneficial articles. Thank you for sharing with us your blog site.

  2. مشاعل

    بعد انقطاع طويل مازلت استاذي كما انت معتدل في عرضك لوجهة نظرك الواضحة والعميقة ……

  3. محمد عبد التواب

    مدونة رائعة وموضوع هام بالتوفيق ….

  4. الشبكة العربية

    مدونة رائع وجميلة مشكور على هذا الكلام الرائع اتمنى لك النجاح …

  5. عزيزة - الدوحة

    المدونة موجودة و تصل … و ستصل اكثر
    الفكر لا يحجب ابداً … الشمس ما يغطيها منخل
    كلما تطاولت الأيدي لتكميم الأفواه كلما زادت الأفواه عن عدد الأيدي
    في موضوع مقالك هذا نعم فيما ذكرت .. انا من داخل عالم المرأة اقول انك فهمتنا
    ختاماً
    تحياتي لك ياسر و لفكرك وقلمك … تركت بصمات اقدامك على ارض التدوين 🙂

  6. Ikram

    فقط للتوضيح.. اغلبيه النساء لا ينتظرن إذنا بالخروج٫ لان خروجها للعمل او الدراسه يكون مرتب من قبل مع السائق او الاهل٫ قياده السياره للمرأه في السعوديه مهمه جدااااا ليس لانها تيسر عليها المواصلات فقط بل لانها ستتمكن مع الوقت بأتخاذ قرارات حاسمه٫ كيف؟؟ سيجعلها اكثر قدره على الالتزام بقرار واحد في الثانيه٫ اي لازم تمشي بالطريق للنهايه بنفسها و تقرر تروح يمين او يسار٫ و اذا اخطئت الطريق لازم ترجع يو ترن آو تكمل الطريق للنهايه. (احنا ما تعودنا نتحمل نتائج قراراتنا). حتى اسئل اي سواق٫ فجاءه نقوله يمين و بعد ثانيه لا لاااااا يسار. القياده تعليم اسلوب حياه وتصقل الشخصيه. المرأه يجب ان تكون قادره على قياده حياتها٫ قائده في عملها٫ قائده لتصرفاتها٫ تتفاعل مع المجتمع اقتصاديا٫ تتحاور٫ تنتج٫ لا ان تكون مقاده لاي كان . هذا اللي اتمنى المجتمع انه يناقشه…. لا للإستقلاليه .. بل للمسؤليه  

  7. محمد الجرايحى

    أخى الفاضل: أ/ ياسر
    جئت إلى مدونتك للتعرف على آخر المستجدات
    والاطمئنان على الأحوال بعد غياب ربما يكون طال بعض الوقت
    وأعتذر لعدم التعليق على موضوع المقال لأنك تعلم أنى مصرى
    والأفكار والتصورات المجتمعية لدينا مختلفة تماماً ولاأخفيك القول
    كنت أتمنى أن نكون مثلكم ……..
    تقبل تقديرى واحترامى
    بارك الله فيك وأعزك

  8. مها علي

    تعقيبا على مقالك عن قيادة المرأة أو استقلالها، اسمح لي بنقطتين فقط: أولا: تحدثت عن التحايل أو التلاعب الذي يستخدمه الطرفان المؤيد والمعارض، وكان من ضمن حديثك أن المرأة هي الطرف المطالب أو المؤيد، وبالتالي فإن الطرف المعارض سيكون فعليا الرجل وإن كان يضم بعضا من النساء، ثم تحدثت عن عدم تجرأ الطرفين على مناقشة قضية قيادة”استقلال” المرأة، بالنسبة لعدم تجرأ المرأة على الحديث بصراحة وتسمية الأمور باسمها فهو من منطلق “فيك الخصام وأنت الخصم والحكم”! ولكني أتساءل ما هو عذر الطرف الآخر؟ وهنا أظن أنه كما ذكرت ضعف في الحجة والأدلة.

    وهذا ينقلني إلى النقطة الثانية التي أود التعقيب عليها، حيث ذكرت طبيعة الرجل التسلطية على مر الزمن، ثم تحدثت عن طبيعة المرأة التلاعبية أو “المكارة والملتوية” كما أسميتها، وأستغرب أنك لم تصل الفكرة الأولى بالفكرة الثانية، والتي تربطهما علاقة السببية! أمر دائما ما أغفله الرجل -دون وعي ربما-، وهو أن الطرف الأضعف في أي علاقه يلجأ فيما يلجأ إلى الطرق غير المباشرة لبلوغ هدفه إذا أحس بتسلط الطرف الأقوى، فلو كان الرجل نفسه مثلا في وضع ما طرفا أضعف، فإن الحياة أثبتت أن المعظم يلجأ بالفعل إلى الطريق “المكار والملتوي”، هذه ليست طبيعة المرأة ولكنها وسيلتها أو طريقها، أنا هنا لا أنكر الحقيقة ولكني أنوه إلى أنها رد الفعل، أو نتيجة، تزول بزوال المسبب.

    ختاما أشكرك جدا على هذا المقال الرائع الذي استمتعت بقراءته، وأتمنى أن تتقبل تعليقي بصدر رحب، مع كل التقدير.

  9. امرأه

    هذه الجملة “فإن المرأة بطبيعتها مكارة و ملتوية و إنتهازية” تثبت بأنه بغض النظر عن المستوى العلمي أو الفكري الذي يصل له البعض من الكتاب أو المثقفين فهم يبقون حمقى ويصدرون أحكاماً بناء على ذكوريتهم المقيتة

    عفوا سيدي من أنت حتى تطلق حكم عام على المرأة إن كانت إحدى اللاتي تعاملت معهن ماكرة أو انتهازية فلا تعمم ولا تضع تصورك أنت وكأنه التصور أو الفهم الحقيقي والنهائي للمرأة

    المرأه أذكى من الرجل ولكن المجتمع والعادات المقيتة هي السبب
    وليرحنا الله من ال male supremacy

  10. صهيب

    قيادة المراة قضية محددة من السهل تحديد رأيك فيها بشكل عملي و واضح كما فعلت انت اما استقلال المرأة فقضية عامة مثل مبدأ الحرية يعني قضية يندرج تحتها قضايا مثل قيادة المرأة فيصعب عليك تحديد رأيك فيها بدون تفصيل طويل نوعا ما او بشكل ادق رايك فيها سيكون عاما و ضمن قواعد عامة. فانا مع الاستقلالية و مع الحرية ….
    لا ادري ان كنت انا فهمت كلامك بشكل صحيح ام لا لكن على الاقل اعلم انك تحب النقاش الهادئ و المتزن و الهادف للإستفادة و الإفادة . و للعلم لم اظن يوما انني ساناقش في قضية بالنسبة لي اجدها غريبة جدا لانني اردني و بالتالي هي قضية لا تخصني.

اترك تعليقاً