صادف يوم أمس الأول من شهر فبراير ٢٠١٢ أكتمال سنة من الحياة الجديدة التي أخترتها لنفسي و التي أتت نتيجة لإنتقالي للعمل للدوحة عاصمة قطر الجميلة و المثيرة لكل المعاني التي قد تخطر علي البال، فهي المكان الذي يحتضن قناة الجزيرة و هي
عاصمة الدولة التي إستطاعت أن ترسم لنفسها خطا سياسيا و ربما إجتماعيا و إقتصاديا منفردا بهوية خاصة متميزه لدرجة لا يمكن إستعابها إلا بالإقتراب منها و تذوقها، مدينة تطلب إكتشاف سحرا عاما كاملا، فقد تمكنت من فك شفرة هذه المدينة الهادئة الساكنة الخليج العربي الملتهب و التي رغم ما يحيطها من كل شئ إستطاعت أن تعيش مرحلة التتطور و كأنها منعزله عن محيطها المتردد.
في كل مرة تأخذني الأقدار لحبيبتي الرياض أمر بمرحلة مراهقة تجاه هذه العاصمة التي تمكنت رغم كل ما تواجهه من تحديات أن تتصدى و تهزم منغصات الزمان بكل تجاعيده و ترهلاته، فأغوص في إكتشاف جمال مدينتي الصحراوية المزدحة و أبدأ في رسم لوحة جمالية لها تقف مكتوفه حزينة أمام نكران من لا يرى فيها إلا تأثيرات الزمان و عثرات هي جزء من تجربة المدن العظيمة.
ليس حديثي اليوم عن الرياض أو الدوحة إلا بقدر ما تغيرت حياتي أنا من هذا الإنتقال، فكثير هي الأحداث التي إلمت بالعالم و بمحيطي القريب و البعيد حتى أصبح القول بأن ما حدث في عام يوازي بالمقارنة بالأعوام الماضية ما حدث في عقد كامل.
– بين الرياض و الدوحة .. سكنت ناطحة سحاب في مدينة تطل على البحر، يستقبلني فجر كل يوم بإشراق فجر يظهر متثاوبا من عمق البحر.
– بين الرياض و الدوحة .. أطيح بطواغيت، و حكم الإسلاميين بلادا تسمح ببيع الخمر و قتل المواطن أخاه المواطن بإسم العدل و أصبحت كلمة الأشقاء العرب مفقودة في وسائل الإعلام العربية، فلم تعد الحكومات العربية تتعامل مع بعضها إلا من منطلق المصلحة السياسية و الإقتصادية، فلا أخوة عربية في السياسية بعد الآن، و لا معنى للمجاملات الإعلامية المخدرة في وقت تقول الحقيقة الكشوفة للجميع من أن العلاقة بين الحكومات العربية نفعية وطنية بحته.
– بين الرياض و الدوحة .. أتيت سعوديا في عاصمة خليجية لأكتشف بأني لم أفهم معنى أن يكون خليجنا واحد أو مشتت إلا من خلال الحياة في مدينة تكونت أساسا من فكرة أن يكون الخليج واحدا، فالآن لدي أصدقاء من كل دول الخليج.
– بين الرياض و الدوحة .. أصبح الذهاب للسينما ممارسة إعتيادية لا إحتفالية ترتبط بالإجازات السنوية.
– بين الرياض و الدوحة .. أصبحت معتادا على أن أقود سيارتي في شوارع سالكة لا تشهد إزدحاما إلا نادرا، حتى أني تمكنت للمرة الأولى أن أمارس هوايتي بالإنطلاق سريعا مشرعا نوافذ السيارة لتدخل منها رياح الخليج الباردة.
– بين الرياض و الدوحة .. إنتقلت مدونا أملك مساحة لثرثراتي التي من خلالها أعبر فيها يوميا عن نفسي إلى كائن مهاجر وجب عليه الحجب و الإسكات و ذلك بأمر من قرر أني خطر على عقول النشء و ربما مغرد خارج القطيع، أو ربما مشروع معترض في التكوين.
– بين الرياض و الدوحة .. تحولت من محجوب لا يمكن الوصول إليه إلا مرغوب يسهل التواصل معه، فقد أسكتوا موقعي و لكن فتحت لي صحفا و مواقع لأعبر فيها دون رقيب، و أصبحت أدعى من عربيا و من بلادي للحضور و المشاركة في لقاءات حكومية تنظم للحديث عن حرية الرأي و الإعلام الجديد، كل ذلك أقول و ليسمعني من يشاء فكشفي لهم قريب، لان الدعم المعنوي الذي وصلني من مواطنين و أمراء و مسئولين يجعلني أؤمن بأني على حق وهو الأيمان الذي سيكون وقودي في فضح جهل عقول تعتقد أن إسكات العقول يأتي بإسكاتهم الأصوات.
– بين الرياض و الدوحة .. أكتشفت أن الحياة أكبر و أكثر عمقا من حوار سقيم يرتكز حول أضحوكة (هل أنت ليبرالي أم إسلامي).
– بين الرياض و الدوحة .. إقتنعت أن اليوتويب هو الأخ الأكبر الحقيقي، و أن برامج الواقع ماهي إلا أفيون زرع في أحشائنا لندمن عليه لحد المرض و أن الثورات العربية ماهي إلا وجه آخر لتلفزيون الواقع .
– بين الرياض و الدوحة .. إكشفت أن قناتي الجزيرة و العربية ما هم إلا عملاء لأجنداتهم الفكرية، فلا إعلام عربي محايد و لا إعلام عربي صادق في كشف الحقيقة.
– بين الرياض و الدوحة .. إنجزت كتابي الأول و قرأت كتبا بعدد ما قرأت في السنوات العشر الآخيرة و إستمتعت بصوت الهواء كما لم أفعل من قبل، و سمعت للمرة الأولى تعوذة الليل.
– بين الرياض و الدوحة .. عرفت القيمة الحقيقية لبلادي السعودية و حجمها الذي يزن أطنان من الدول، فقد تيقنت أننا تحولنا من دولة ثرية خليجية ذات وزن سياسي دولي فحسب إلى دولة حضارية في طريقها للتحول إلا مصاف الدول المتقدمة، فقد خطت الخطوة الأولى في الطريق و ذلك بالإعتراف بأننا دولة فيها فساد و جريمة و دعارة و إستغلال إلى جانب إعترافنا بوجود الشعب و أهمية العدل و الأخلاق و السوق الحر، و تيقنت بأن الحديث الزائد عن الفساد ما هو إلا موضوع إعلامي شيق يستخدم لتفريغ شحنات الغاضبين.
– بين الرياض و الدوحة .. يبقى العمل واجبا حتى الساعة الثالثة عصرا، ليبقى لي الحق في أن أعيش باقي نهاري بالشكل الذي أريد، فعلاقتي بالجريدة الورقية عادت حتى أصبح طعم قهوة العصرية لا يكتمل إلا بتصفح صحيفة الشرق الأوسط و متابعة مرور الأجواء المحيطة في المكان الذي بإمكانني أخيرا أن أقول عنه (مقهاي المفضل).
– بين الرياض و الدوحة .. تحول تويتر من موقع أزوره بين الحين و الآخر إلى البديل الحقيقي للفيسبوك، حتى أصبحت ألتقي وجها لوجه مع أصدقاء بشكل مستمر لم تعرفني بهم ظروف الدراسة أو العمل أو الصداقات المشتركة، بل منصة إلكترونية مفعمة بنقاشات و أخبار و علاقات أصبحت اليوم جزء أساسي من حياتي اليومية.
– بين الرياض و الدوحة .. إشتركت في نادي رياضي ثم في نادي رياضي، فأصبح لي روتين جميل لدي رغم ذلك القدرة على أن أنقلب عليه متى ما إنتابني الشعور بالثورة، و الغريب أن ذلك الشعور بالثورة ينتابني كلما مررت بسيارتي ليلا و الأجواء تحيطها تلك التعويذة في ذلك الشارع الواسع الذي تنتصب في زاويته الرئيسة ذلك المبنى الواضح لقناة الجزيرة.
I just want to mention I am just all new to blogs and really savored this blog. Almost certainly I’m going to bookmark your site . You certainly have really good writings. Cheers for revealing your blog.