وصل الشاه محمد رضا بهلوي للحكم عام ١٩٤١ بعد الإطاحة بوالده رضا بهلوي مؤسس الدولة البهلوية الذي حكم البلاد منذ عام ١٩٢٥ وذلك بتخطيط من قبل كل من الروس والإنجليزي، قناعة منهم بأن الشاه الإبن سيكون أكثر تجاوباً مع متطلباتهم في إدارة دولة نظروا لها باعتبارها ذات أهمية إستراتيجية كبرى من حيث إمكانياتها النفطية.
وقد كانت علاقة الشاه الجديد وقربة مع الدول الغربية دائماً مثار تساؤل من قبل الشعب الإيراني خصوصاً في مسألة شرعيته كحاكم للبلاد، الأمر الذي كان يدفع دائماً الوطنيين للنظر بشكل جدي في الإطاحة به كملك للبلاد.
فالنفط الإيراني كان تحت السيطرة الإنجليزية والغربية ولم تحصل إيران كدولة و شعب إلا على فتات خيراته، فقد كان يعيش أغلبية العمال الإيرانيين العاملين في مصافي النفط في عبدان في حالة مزرية في وقت كان الإنجليز يتصرفون كملوك على أرضهم، لدرجة أن الفصل العنصري بين الإيرانيين والإنجليزي كان أمراً ماثلاً في وسائل المواصلات العامة على سبيل المثال، حيث لم يكن يسمح للإيرانيين في ركوب المواصلات المخصصة للإنجليز.
في تلك الأثناء كان يشكل رئيس الوزراء محمد مصدق تهديداً للإنجليز والغرب وذلك لكونه كان يخطط لتأميم نفط بلاده مما كان يعني فقدان الإنجليز لهيمنتهم على النفط الإيراني، في وقت كان العالم يعيش تجاذبات الحرب الباردة كانت اتجاهات مصدق ذات طابع اشتراكي يهدد المصالح الأمريكية في إيران باعتبار ذلك مؤشراً لميوله الفكرية نحو الخصم السوفيتي، الأمر الذي دفع بالأمريكيين والإنجليز للاتفاق على دفع الشاه بوجوب إقالة مصدق من رئاسة الوزراء.
وبالفعل قام الشاه باقالة مصدق وهو الرجل الذي كان يحظى بتأييد كبير بين المواطنين، الأمر الذي دفع أغلبية الشعب للنظر في مسألة إزاحته باعتبارها تدخلاً غربياً في مصالح الشعب الإيراني وتأكيداً لتبعية الشاه للدول الغربية.
تشير المصادر المرجعية عن تلك الفترة الى أن وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية CIA هي الجهة التي خططت للانقلاب على مصدق عام ١٩٥٣، وهو الانقلاب الذي أمّن للشاه بعد ذلك السيطرة الكاملة على مقاليد الحكم في وقت تم وضع رئيس الوزراء مصدق تحت الإقامة الجبرية و إسكاته تماماً وتجريم أي حديث عنه على المستويين الشعبي والإعلامي.
ومع ازدياد تقارب الشاه مع أمريكا بعد الانقلاب على مصدق زادت حالة العداء الشعبي لأمريكا، حيث يقول العديد من الدارسين للتاريخ السياسي الإيراني أن من أهم أخطاء الشاه أنه لم يكن هو من يتخذ القرارات بل كانت القرارات تتخذ من قبل المستشارين الأجانب وخصوصاً الأمريكيين منهم الذين كان دورهم الأساسي هو التخطيط لسياسات الشاه.
نقاد الشاه في ذلك الوقت كانوا ينظرون له بأنه كان مهتماً بشكل أساسي وكبير على حياة الرفاهية الشخصية والتمتع بغناه الفاحش أكثر من إهتمامه بشأن مصالح الشعب وإدارة البلاد، فقد امتلأت وسائل الإعلام بصوره وعائلته بصحبة أغنياء وقيادات العالم في حفلات كان يقيمها إبتهاجاً بمناسبة ومن دون مناسبة بتكاليف خيالية في وقت كان الشعب يعاني الفقر.
في عام ١٩٦٣ أعلن الشاه عن برنامج تحديث طموح أتاح له في ظل غياب مصدق والقوى السياسية الداخلية المعارضة القيام بتجارب تطويرية وتحديثية بحرّية مطلقة، هذا البرنامج الذي تم وصفه بالثورة البيضاء تضمن العديد من المجالات والخطط منها توزيع الأراضي على المواطنين إضافة لإصلاحات إجتماعية مختلفة بما فيها منح المرأة للمرة الأولى في تاريخ إيران حق التصويت، وهي التحديثات التي فسرها كثر في حينه بأنها محاولة من الشاه المتأثر بالغرب في فرض التغريب على المجتمع الإيراني.
قال الشاه في معرض تسويقه لبرنامجه التحديثي في مقابلة تلفزيونية لإحدى القنوات الناطقة بالفرنسية “إن سياستي تتمحور حول مشاركة الرجال والنساء على مستوى قد يكون أكثر تقدماً من ما نراه في الدول الإسكندنافية، ونحن كإيرانيون لا يهمنا ما يعتقده البعض في نظامنا، فنتائج ما نحققه تتحدث عن نفسها”.
لم يقبل جميع الإيرانيون بهذه التحديثات والتي كما كانوا يقولون ميزت الطبقة الدينية الحكومية وملاك الأراضي ولم تمنح الأراضي للمزارعين كما كان موعوداً به، بل كانت تقسط الأراضي على المزارعين فزادهم ذلك فقراً.
في هذه الأثناء كان آية الله الخميني يتحدث بشكل علني في دروسه وخطبه العامة عن أن الثورة البيضاء ليست إلا وسيلة لزيادة هيمنة الغرب على مقدرات إيران، وخطة لإفراغ البلاد من إرثها الشيعي، حتى أنه قال ذات مرة “إن الشئ الوحيد الأبيض في هذه الثورة هو تأثير البيت الأبيض”.
اليوم ينظر الكثيرون من الدارسين للتاريخ الإيراني للثورة البيضاء باعتبارها المحفز الأول لما أصبح يعرف فيما بعد بالثورة الإيرانية، في حين يرى البعض الأخر أن المحفز الأول يعود لمنح الشاه عام ١٩٦٣ الأمريكيين حقوقاً عسكرية واسعة على الأرض الإيرانية، وهو الموقف الذي يتماشى مع موقف العديد من الوطنيين الإيرانيين الذين كانوا يقولون بأن الشاه ليس زعيماً وطنياً بل دمية في يد الإمبريالية الغربية وهو ذات الرأي الذي أصبح الخميني يستخدمه لتنمية العداء تجاه حاكم البلاد المطلق.
استمر نقد الخميني لسياسات الشاه في التزايد، مما دفع بالأخير لاعتقاله في مدينة قم حيث كان يعيش، وهو الأمر الذي دفع بخروج مظاهرات عارمة ضد ذلك الاعتقال، ولتمتد تلك المظاهرات في عدد من المدن الإيرانية في مؤشر للتأثير الكبير للزعيم الروحي في الداخل الإيراني، الأمر الذي دفع بالشاه لتوجيه قواته العسكرية لقمع تلك التظاهرات مما زاد من حالة الاحتقان تجاهه من قبل أتباع الخميني.
بعد ذلك تم نفي الخميني للعراق بعد أن هاب الشاه ونظامه من تبعات قتله أو الإضرار به جسدياً لما يشكله هذا الرجل من ثقل في أوساط أتباعه وما يمكن أن يؤديه ذلك من إثارة قلاقل أكبر.
بعد خروج الخميني من البلاد استمر الشاه في برنامجه التحديثي والذي كان له في مداه القصير تأثيرات إيجابية ملحوظة، إلا أنه مع مرور الوقت بدأت خطته الطموحة في تشتيت تركيبة المجتمع الإيراني بحيث بدأت بذور السخط الناتجة عن حالة التشتت تلك في التحول لأشواك إجتماعية.
وقد كان لخروج الخميني من إيران في ذلك الوقت تبعات وتأثيرات إيجابية مرحلية في إيران، ففي الفترة من ١٩٦٣ إلى ١٩٧٣ كان الوضع الإقتصادي مزدهر من خلال تنمية الطبقة المتوسطة تحديداً وتطوير التعليم ومخرجاته.
حاول الشاه في هذه الأجواء الاقتصادية الإيجابية تثبيت حكمه المطلق، فبعد أن تمكن من تحييد الخميني ولو مرحلياً من التأثير سلباً على خططه وجه أنظاره نحو الأجنحة اليسارية في الفضاء السياسي الإيراني في وقت كانت الحرب الباردة في قمتها والنزعة الشيوعية في البلاد في نمو مستمر تأثراً بالجار السوفيتي، حيث قام الشاه بجولات عديدة حول البلاد منبهاً المواطنين ومحذراً إياهم من خطر الشيوعية.
وفي مسعاه للسيطرة الكاملة، قام الشاه بتضييق الخناق على جميع الأحزاب السياسية في البلاد من خلال تحريك جهاز السافاك الذي تم تأسيسه في الخمسينات على يد مستشارين من الموساد الإسرائيلي و CIA، حيث قام هذا الجهاز الأمني في سبيل تضييق الخناق على الأصوات المعارضة للشاه بأعمال تعذيب وحشية وإعدامات على نطاق واسع في صفوف المعارضين والنشطاء السياسيين من جميع الاتجاهات، الأمر الذي خلق في البلاد حالة خوف وإرهاب بين جميع مكونات المجتمع.
يقول البعض أن من أهم إنجازات جهاز السافاك في حينه كان نجاحه في خلق صورة غير حقيقية لقوته تتجاوز الواقع الحقيقي لإمكانياته، فقد أشيع في حينه أنه من بين كل خمسة مواطنين إيرانيين هناك عميل سافاك واحد بينهم، إلا أنه بعد الثورة اتضح أن ذلك لم يكن ابداً قريب من الواقع، فأعدادهم لم تكن أبداً قريبة من هذا المعدل.
وفق بيانات منظمات حقوق الإنسان فإن السافاك في عهد الشاه قام بإعدام أكثر من ألف معارض سياسي إضافة لاعتقال أكثر من أربعة آلاف مواطن من الجنسين، الأمر الذي جعل الشعب ينظر للشاه باعتباره دكتاتور، في حين كان الشاه ينظر لنفسه بأن إنجازاته الاقتصادية الطموحة ستزيل أي حالة من المعارضة رغم قمعه للحريات، فقد كان يأمل في أن تؤدي الارتفاعات الكبيرة في أسعار البترول للتأثير بشكل كبير على ازدهار البلاد.
في تلك الأثناء كان الشاه يطمح في خطته التحديثية على أن يبني بلاداً تشابه اليابان أو اوروبا كما كان يردد، الأمر الذي دعاه للقول ذات مرة بأن إيران يجب أن تكون المركز المالي والاقتصادي للعالم، ولذلك لم يدخر أي تكاليف مالية لتحقيق هذا الطموح، ففي عام ١٩٧٤ على سبيل المثال قام بإنفاق ١٦ مليار دولار على خطة لتطوير وتحديث البنى التحتية للبلاد، مع خطة موازية لرفع قدرات قواته العسكرية والحربية.
ومن أجل تحقيق ذلك قام أيضاً بالانخراط بشكل أكثر قوة في أعمال منظمة أوبك دافعاً الدول المنتجة للنفط لزيادة الأسعار وهو الأمر الذي خلق حالة من عدم الرضا بين صفوف داعميه السياسيين في إدارة الرئيس الأمريكي نيكسون، إلا أن ذلك لم يثنيه، بل على العكس فقد أصبح أكثر عناداً وتحدياً، حيث تصدر المجهودات في زيادة أسعار النفط بمعدل ١٤٪ بذريعة أن ذلك سيصب في مصلحة بلاده وهي الزيادة التي كان لها تأثيرات كارثية على الاقتصاديات الغربية، مما وضعه في قمة قوته العالمية كزعيم ودولته كقوة عظمى دولية و لينعته كثر إثر ذلك بملك النفط.
الوضع الجديد للشاه ومكانة بلاده دوليا فتح المجال في أن تقوم الدول العظمى في التعامل معه وفق الواقع الذي رسمه لنفسه كدولة تقارع الكبار وبالتالي لم يعد يتم التعامل معه كدولة نامية بل كمنافس يجب أن يعامل بحزم وقوة، في وقت كانت بلاده في واقع الأمر تواجه مشاكل داخلية ناتجة عن تبعات سرعة برنامج التحديث، فمع المليارات التي جناها الشاه من رفع أسعار البترول وضخ كل تلك المبالغ في السوق المحلي أدى ذلك لارتفاع معدلات التضخم وزيادة أسعار العقارات لمستويات تفوق قدرات أغلبية المواطنين إضافة لموجات الهجرة الداخلية من الأرياف نحو المدن مما أدى لخلق إشكاليات الأحياء العشوائية وازدياد أعداد طبقة العمال ذوي الدخل المحدود.
فشل الشاه في تحقيق وعوده في تحقيق الأزدهار وديمومته خلق حالة من السخط المتزايد بين أبناء الشعب ومن جميع طبقاته، إلى جانب السخط على قمع الحريات وتفشي الفساد خصوصاًِ في الطبقة المقربة من القصر البهلوي.
في عام ١٩٧٥ أصبحت إيران دولة بنظام الحزب الواحد و بزعامة الشاه نفسه، حيث قام بإصدار قرارات من منطلق رغبته الشخصية ودون وجود مبررات منطقية لها، كقراره عام ١٩٧٦ بتغيير التقويم السنوي وغيرها من القرارات التي اعتبرها الكثيرون إهانات موجهة لهم.
رغم ذلك فإن الشاه إستمر في الاعتقاد بأن المؤسسة الدينية مازالت تدعمه وأنهم متحدون معه في مهمة مناهضة الشيوعية داخلياً، الأمر الذي ثبت مع الوقت أنه كان إعتقاداً خاطئ، فقد وصف البعض خطأ الشاه في نظرته لولاء المؤسسة الدينية في الستينات والسبعينات له بذات الخطأ الذي ارتكبه الأمريكيون مع بن لادن والمجاهدين في أفغانستان حينما اعتقدوا أن أمريكا يمكن لها أن تعتمد عليهم في حربها ضد الروس، فالشاه في واقع الأمر قام بتقوية المؤسسة الدينية إعتقاداً منه بأنهم سيحاربون ويتصدون نيابة عنه للشيوعيين في إيران.
مع أواسط السبعينات كانت خطته التحديثية تكلف خزينة البلاد أكثر من مداخيلها من النفط، فانهار الاقتصاد الإيراني عام ١٩٧٧ من خلال الارتفاع الكبير في كل من معدلات البطالة والتضخم، مما جعل المواطن الإيراني هو الذي يدفع الثمن وبالتالي يوجه أصابع اللوم والغضب بشكل كامل نحو الشاه.
وبناء على ذلك يرى كثيرون أن أهم عوامل انقلاب الشعب على الشاه في ذلك التوقيت كان ناتجاً عن طموحه الشخصي الكبير في تحقيق المعجزات، فقد أدت خطته لخلق طبقة وسطى جديدة في المجتمع بما فيها طبقة التكنوقراط المتعلمة كما رفع بشكل خيالي من طموحات الطبقة العاملة، حيث كان الشاه يردد دائماً بأن الشعب سيعيش قريباً حياة تقارن بحياة المواطن الألماني أو الياباني، مما أدى بالمواطن الإيراني على أن ينتظر ذلك النجاح الذي لم يأتي ابداً، فوعود الشاه لشعبه كانت كبيرة بشكل كان من المستحيل تحقيقها.
في هذه الأجواء كان الخميني من خلال شبكته من رجال الدين الموالين له في الداخل الإيراني ينشرون بين الناس عبر أشرطة الكاسيت خطبه الناقدة للشاه ونظامه وسياساته والتي كانت بمثابة الشرارة العملية لبدء الحراك الشعبي للإطاحة بالملكية وتفعيل مسيرة الثورة على الأرض.
في ظل تزايد السخط الشعبي تجاه الحكم البهلوي وإرتفاع تهديدات خطب الخميني، قام الشاه في يناير ١٩٧٨ بالتوجيه لنشر مقال في الصفحة الأولى في أهم الصحف الإيرانية يهاجم فيه الخميني ويصفه بأنه هندي الأصل وليس إيراني وأنه عميل بريطاني إضافة لوصفه بمثالب أخلاقية مشينة، وهو توجيه تبين فيما بعد أنه كان له تأثيرات سلبية كبيرة عليه، فقد أثار تلك الكتابات الشعب، فخرج في مظاهرات عارمة إبتداء من مدينة قم ولتعم بعد ذلك باقي المدن الإيرانية ولتستمر طوال العام وليتخللها العديد من الإضرابات التي استمر بعضها لمدة ستة أشهر، إلى جانب انضمام جموع من المتظاهرين من خلفيات سياسية مختلفة كان الجامع المشترك الوحيد بينهم هو العداء للشاه والمطالبة بالحرية، وقد اتسم الحراك الشعبي في تلك الأثناء بالتنوع، فلم يكن حراكاً دينياً أو ثورة إسلامية كما إنتهى به الحال بل كان حراكاً شعبياً شاركت فيه جميع طبقات المجتمع بجميع اتجاهاته السياسية والفكرية والعقائدية.
الحدث المفصلي الذي يعتبره الكثيرون الشعلة الأولى للثورة الشعبية التي أطاحت في نهايتها بالشاه كان ذلك الحادث الذي وقع في مدينة عابدان عندما احترقت دار سينما “ريكس” ولقي على إثره أربعمائة إيراني حتفهم، فمع حالة الإحتقان التي كانت البلاد تعيشها لم يكن لتمر حادثة مأساة إنسانية كهذه دون أن يُنظر لها باعتبارها تخفي في طياتها مسببات ودوافع سياسية، فمع خسارة الشاه حرب العلاقات العامة داخل البلاد أصبح مشاعاً بين الناس أن الحريق نتج عن عمل تخريبي قام به عملاء تابعون للشاه، في حين وبعد سنوات من الثورة يقول البعض أن الأجنحة الدينية المعادية للشاه هي التي قامت بالعمل التخريبي من أجل إثارة الغضب بين الناس ودفعهم للانتقام وهو ما ينفيه بشدة إلى يومنا هذا المؤيدون لنظام الثورة في إيران.
وبالفعل تسبب الحريق بخروج الآلاف من المواطنين الغاضبين للشوارع الأمر الذي دفع الشاه في شهر سبتمبر ١٩٧٨ وفي حالة من اليأس لإعلان حالة الطوارئ في البلاد، ولتقوم القوات الموالية له بأعمال تنكيل بحق المتظاهرين في اليوم الذي بات يعرف بـ”الجمعة السوداء” والذي أدى تدريجياً لفقدان الشاه قدرته على الإمساك بالسلطة في البلاد وتوحد قوى المعارضة في الشارع باختلاف توجهاتهم السياسية حتى تحول بهم الحال للتوحد في الهتاف بإسم الخميني دعماً له وتأييداً.
في محاولة أخيرة من الشاه للحد من تأثير الخميني على الشارع الإيراني والذي كان منفياً في حينه في مدينة النجف في العراق طلب الشاه من نائب رئيس مجلس قيادة الثورة في العراق صدام حسين إبعاد الخميني من الأراضي العراقية، حيث إنتقل الخميني مع أتباعه إثر ذلك في أكتوبر من عام ١٩٧٨ للمدينة الصغيرة “نوف ليشاتوه” خارج العاصمة الفرنسية باريس.
في أواخر ١٩٧٨ كان من الواضح أن الأجواء الإيرانية كانت ملبدة بالثورة للحد الذي عجز معه الشاه ونظامه من إعتقال الجميع، في وقت تحول هتاف آلاف المتظاهرين ضده من “الشاه يجب أن يرحل” إلى “الموت للشاه”، و لتصبح نهاية الشاه كحاكم مطلق للبلاد وشيكة مع بزوغ فجر عام ١٩٧٩.
في ١٦ يناير ١٩٧٩ وسط حالة من الهيجان الشعبي والثورة العارمة هرب الشاه لجمهورية مصرمتنقلاً بعد ذلك بين دول عدة دون أن يعود لإيران بعد ذلك أبداً ولينتهي معه حكم الملكية لإيران والذي استمر ألفان وخمسمائة عام.
عاد الخميني لإيران بعد أسبوعين من هروب الشاه ليحكم نظامه الجديد والذي تمكن من تسيّده بشكل مطلق كونه في نظر الشعب رجل الدين الوحيد والمعارض الوحيد الذي واجه الشاه بالمعارضة الكاملة في وقت كان رجال الدين الآخرين وأجنحة الأحزاب والسياسيين يحاولون خلال السنوات التي سبقت الثورة مهادنة الشاه ونظامه بإمساك العصا من المنتصف بتركيز مطالبتهم بإصلاحات كان أقصى طموحها الدفع نحو ملكية دستورية، في حين كان الخميني الزعيم الوحيد الذي دعا لإسقاط النظام بالكامل وتأسيس نظام جديد مبني على أسس إسلامية ومستقلة عن التدخل الغربي وهي الدعوات التي تناغمت مع مطالب الشعب الإيراني في قمة فورته وثورته الشعبية المتمثلة بحتمية إسقاط حكم الشاه بالكامل.
** تم الاستعانة بشكل أساسي في كتابة هذه السيرة على ما تم التطرق له في الوثائقي “ايران ١٩٧٩: تشريح ثورة”.
تم الإشارة لبعض ما تفضلت به عزيزي، ولعلي إن الله اراد ان اتوسع في التفاصيل في مقال لاحق.
مع شكري و تقديري لمرورك و تعليقك.
مقالة فيها كثير من التحليلات الواقعية ولكن أيضاً فيه مفاصل تاريخية لم تعطها الاهتمام ، مع أنها كانت مؤثرة جداً في الواقع الايراني وفي تذمر الايرانيين من الشاه منها كثرة بذخ الاحتفالات الضخمة( منها احتفاله مرور ٢٥٠٠ على قيام مملكة فارس ) وما يسمى تحرير المرأة( اصدار قوانين تحرر المرأة ) وقمع رجال الدين ( اعتقالهم بدون محاكمات وبأثر رجعي ونفيهم وملاحقتهم في الداخل ) والسيطرة على الاعلام وتمجيد الشاه فيها( وضع الصحف صور الشاه وتمجيده واظهاره بصورة الحاكم المنقذ وانه قائد النهضة الاقتصادية ) وتغيير مناهج التعليم ( حذف كل ما يتعلق بالامور الدينية ، وادخال مناهج التعليم الغربية ) .
هذه علامات قيام الدول يقيمها الأقوياء وتنتهي على ايدي الحمقى ..
أخي العزيز ،، لم أحذف التعليق و لكن الموقع مبرمج على ضرورة اعتمادي للرد قبل نشره نظراً لكثرة تعليقات الـ”سبام” التي تصل الموقع.
أتمنى منك تفهم الأمر.
تحياتي
المدلولات عزيزي كلٌ يفهمها ويفسرها حسب تفسيره و نظرته للأمور، أما النوايا فأتركها للخالق
بالنسبة لي المقال ركز على عدد من الجوانب السياسية المتعلقة بالتجاذبات والأخطاء التي تخص الداخل الإيراني وأدت بالانقلاب على الشاه وهي وقائع حقيقية موجودة في بطون المصادر التاريخية، إضافة لموضوع رفع سعر النفط و معاندته للغرب وتوهم الشاه بأنه قادر على أن يلعب دور أكبر من واقعه الحقيقي وفق معطيات الداخل، هذه كلها حقائق.
التحليلات المؤامراتية تبقى وجهات نظر مالم يكون هناك ما يثبتها من حيث الحقائق على الأرض، أما هذا المقال فهو سرد تاريخي لما ذكره التاريخ بعيداً عن الرأي الشخصي
الواقع يقول لو لم يكن الشاه ضعيفاً في الداخل وفاقد للقوة الذاتية الوطنية لما كان هناك اي قوة على الأرض قادرة على الإطاجة به الا إذا كان الأمر متعلق بغزو عسكري.
تحياتي
ماسبب حذفك للتعليق أ. ياسر على الرغم من اسلوب ايصالي لرأيي كان يتسم بالأدب، الا يعتبر هذا قمع للمتلقي؟
تحياتي
مقال له مدلولات خفية، خصوصًا ذكر البرنامج التحديثي الذي تبناه الشاه و النتائج والنجاحات التي حققها في بدايته، حديثه في التلفاز عن أن النتائج تتحدث عن نفسها، طموحه الذي أودى به وبالبلاد.. لا أعلم أستاذي الكريم سبب تركيزك في هذه المقال عن البرنامج التحديثي متجاهلًا الأسباب الحقيقة الأخرى التي دعت الغرب للإطاحة به، ودعم خصمه الذي كان بطبيعة الحال هو البداية لنهاية ايران.