هل صنعنا “مايكل مور” من “نقولا باسيل” ؟

إستفزني بذات القدر الذي أثار فضولي هذا التزايد الملحوظ في التطاول على الإسلام و سيد الخلق سيدنا و نبينا و حبيبنا محمد عليه أفضل الصلاة و السلام، هو شعور بالإستفراز للقدر الذي أصبح التطاول فيه على أخير مخلوقات الله سهلا
في عالم إفتراضي لا يمكن ضبطه أو السيطرة عليه إما لأسباب تقينة أو لأسباب تتعلق بقوانين الحريات المدنية التي تطبقها كثير من الدول التي لا تعترف بقدسية الأديان و رموزه من منطلق أن لكل إنسان الحق في التعبير عن رأيه بكل حرية مالم يكن ذلك التعبير في تعدي جنائي أو إداري أو حقوقي تعترف فيه أنظمتهم و قوانينهم.
لا شك أن للموضوع أكثر من جانب أولهم يتعلق بماهية الأسباب التي أدت لتزايد أعداد هذه التجاوزات على نبينا محمد و ديننا الإسلامي و إن كنت أعتقد حاليا بأن نقطة الضعف الحقيقية التي تكشفت للعالم المعادي للعالم الإسلامي هي مدى حساسيتنا كمسلمين من أي تجاوز على سيد الخلق و أن إغضاب العالم الإسلامي يجب أن يكون عبر التطاول و ليس من خلال التركيز على مهاجمة دينهم (الإسلام)، بل مهاجمة نبيهم (محمد) حيث أنهم شعوب عاطفية تقدس النبي الإنسان أكثر من تقديسهم للدين ذاته، و ذلك مرجعه كما هو واضح من مرجعيتهم و فهمهم لفكرة المقدسات و القيمة المعنوية للدين.
أما ثاني تلك الجوانب فأراه أنه يتعلق بكون العالم اليوم أصبح بحق قرية صغيرة و لا أقول كبيرة، حيث أصبح تلاقي المتناقضين فكريا و دينيا و مذهبيا أمر في غاية السهولة، فإختلط المعتدل من طرف بالمتطرف من طرف آخر و أصبح إيصال رسالة الغضب و الشتم عبر ضغطة زر أمر ميسرا للجميع، مما أدى لنشوب حروب يومية بعضها ينتهي بتوقف أحد الطرفين عن الرد، و بعضها الآخر يتجاوز لقتل الرعايا و الدبلوماسيين في عبثية لكيف يمكن لطيش معتوه يهيج و يثير الكراهية من غرفة نومه القابعة في الريف المتطرف أن يحول مناوشاته تلك لحرب سياسية يدفع ثمنها آلاف الناس في بقاع من الأرض بعيده عنه.
لا أشك إطلاقا بأن جميع الجماعات المتطرفة الكارهه للإسلام ومن ضمنهم مخرج الفيلم المسئ لسيدنا محمد (نيقولا باسيل) تعيش اليوم حالة من السعادة و الفرح و النشوة و ذلك لعدة إعتبارات لعل أهمها أنها إستطاعت أن تثير سخط العالم الإسلامي الناتج عن ذلك الفيلم السخيف فنيا و نصيا و المرفوض بمحتواه و تحولهم إلى الجانب المنبوذ و الموصوف بكل تلك الأوصاف القريبة لقلوبهم السوداء عن الإسلام و المسلمين، فقد غيرت حسب رؤياهم تصرفات بعض الجموع الغير منضبطه قضية حقة لهم و حجة مفهومه إلى صورة شعب معادي للسلام و ذلك بقتلهم لسفير و حرقهم لعلم و تعديهم على ممتلكات عامة.
أما الجانب الثالث فيتعلق بالأطراف التي تعيش و تسترزق كما يقال من تهييج الجماهير و الجموع لأهدافها السياسية و التجارية و الفكرية في بعض الأحيان و التي تجد في مثل هذه الأحداث الوسيلة المثلى لخروج قادتهم في خطبهم العصماء ليزيدوا الأتباع و المنبهرين بكلامهم الذي يلامس العاطفة و ليعلنوا الحرب العالمية الثالثة على الكفار و الملحدين و ليطلبوا من الأتباع المؤمنين أن يضحوا بأنفسهم في سبيل أن تكون كلمة الله هي العليا، في حين تبقى كلمتهم هم تصلهم عبر السماعة الصغيرة المعلقة في الأذن من عاصمة دولة أعجمية مذهبية لا تعرف لغة إلا التهييج المذهبي و الفكري منذ إنشائها.
يجب أن تتحول لغة الإستنكار و الإعتراض السياسي من قبل الدول و الحكومات الإسلامية إلى عمل ميداني يهدف إلى التعامل مع هذه التجاوزات بشئ من صرامة حقيقية، مع الوضع في عين الإعتبار أهمية إلتزامها بعدم التدخل في شئون الدول الداخلية لكي لا يتدخل أحدهم في طلبه من دولنا مثلا أن يمنع المشائخ من الدعاة بهلاك النصارى و اليهود في خطب الجمعة، فلكل دولة الحق في أن تكون لديها الإستقلالية في سياساتها الإعلامية و الدعوية، إلا أن عالم الإنترنت هو تجاوز للحدود و بالتالي يجب أن تكون هناك إتفاقيات دولية بين الدول و التكتلات ذات البعد الفكري مثل مؤتمر العالم الإسلامي تعمل على الضغط سياسيا على تلك الدول الأساسية المصدرة و المسهلة لمواد الكراهية ضد الإسلام مثل بعض الدول الأوروبية و أمريكا.
هناك الكثير من الإتهامات التي وجهت للعرب و المسلمين بأنهم هم أكثر من شاهد الفيلم و روج له دون علم أو قصد، و هو إتهام يجب أن يؤخذ بعين الإعتبار و أن لا نكابر مدعين أن ذلك غير صحيح، فكثير من المشاركات التي تحدثت عن الفيلم في موقع تويتر تنطلق من أشخاص من الواضح أنهم شاهدوا الفيلم، و بالتالي فإني أضع علامة تعجب هنا بالقول كيف يمكن القبول بمشاهدة مثل هذا العمل المسئ، حيث أنك إن كنت لا تشرب الخمر لأنه حرام فإنك لن تقوم بتجربته لمعرفة طعمه ثم مقته ثم لعنه و أخيرا عدم الرجوع إليه.
في حديث تلفزيوني قبل يومين على قناة الراي الكويتية قال الشيخ الدكتور محمد العوضي أنه تزايد عدد مشاهدي مقطع الفيلم المسئ لسيدنا محمد صلى الله عليه و سلم في غضون ليلة واحدة بحيث زاد من ٧٠٠ الف إلى أكثر من١٢ مليون، و هو رقم في تقديري لم يكن ليستطيع ذلك المنتج التعيس أن يصله لو روجت له أكبر إستديوهات هوليوود أو بوليوود، فهو فيلم يفتقر لكل شئ، إلا أن الترويج الذي حصل عليه نتيجة الهجمة الجماهيرية حققت له تماما كما حقق لمايكل مور الذي واجه حربا سياسيا و إعلامية و شعبية أمريكية إعتراضا على قيامه بإنتاج (فهرنهايت ٩/١١)، إلا أنه و بعد تجاوزه مشكلة المنع بعد قيام أحد الدول الأوربية بعرض فيلمه في إحدى مهرجاناتها أصبح بعد ذلك من أكبر المخرجين المصنفين أصحاب رؤية سياسية مما دعى البعض في نعته بفاضح المؤسسة الرسمية الأمريكية.
في المحصلة يجب أن أقول بأن هناك نقطة ضعف في العالم الإسلامي أصبح يستغلها المعادون لديننا لإشعال النار فينا و ليس فيهم، والدول الإسلامية يجب أن تعي ذلك و تقوم بإجراءات سياسية تحمي مواطنيها من الإنجراف خلف مناوشات المعادين، كما يجب أن يقوم المربون بتربية جيل محصن في ذاته واعي بقيمه متحلي بأخلاق نبيه، و أن لا يتحكمنا العاطفه فننجرف دون وعي خلف خطابات التجييش المسيسة و الأجندات المذهبية أو الفكرية المعادية،و أن يكون الدفاع عن مقدساتنا كما قال سماحة المفتي بأن نستنكر الفيلم المسيء للنبي صلى الله عليه و سلم دون غضب، أو أن نقوم مثلا بإنتاج أفلام ترد تماما كما فعل قبل بضع أعوام الأخ رائد السعيد عندما أخرج فيلم (Schism) كردا على فيلم “فتنة” الذي أنتجة السياسي الهولندي المتطرف (غيرت فيلدرز)، أو عبر مبادرات مشابها كتلك التي يقوم بها الان بعض شباب الفيسبوك و التي أعلن عنها الشابين “أيمن حياة” و”أحمد البيتي” و الذين يبحثون عن أطفال تتراوح أعمارهم بين ٥-٧ سنوات يجيدون لغات متعددة للتمثل في الفيلم المزمع إنتاجه و الذي يهدف إلى مقابله الفيلم المسئ بالصورة وبالفكرة لكشف زيف ما قدمه الفيلم المسيء للإسلام، ليس ذلك فقط بل سيكون رسالة ثقافية دينية عميقة، ذات حس إنساني، تهدف لتبيان حقيقة الإسلام والمسلمين.


أرسلها عبر الفيس بوك
انشرها عبر تويتر

عزيزي زائر المدونة أشكرك على تلطفك بالمحافظة على النقاش الهادئ و المتزن و الهادف للإستفادة و الإفادة. تحياتي ... ياسر

4 responses to “هل صنعنا “مايكل مور” من “نقولا باسيل” ؟”

  1. manicure

    When I initially commented I clicked the “Notify me when new comments are added”
    checkbox and now each time a comment is added I get several e-mails with the same comment.
    Is there any way you can remove me from that service?
    Thank you!

  2. وظائف خالية

    حسبنا الله ونعم الوكيل في كل من يظلم الاسر\لام والمسلمين ومن يفكر فى التهجم على رسولنا الحبيب
    موضوع جميل

  3. جمالك مع نانيس

    موضوع رائع
    شكرا لكم

  4. Leif Campagnone

    I just want to tell you that I am new to blogging and site-building and honestly loved your web page. Most likely I’m planning to bookmark your blog . You really come with beneficial stories. Bless you for revealing your website.

اترك تعليقاً