في التجربة الإنسانية

أحيانا اتساءل إن كنا في الحقيقة قادرين على التعايش مع محيطنا الكبير منه والصغير أو راغبين في ذلك بقناعة و إرادة، وذلك لأن متغيرات الزمان والمكان أصبحت أكثر تقلباً وتجدداً مما كنا قد تعودنا عليه في سنوات الطفولة الأولى، كما أني أقف في كثير من الأحيان مراجعاً نفسي ومحاولاً اكتشاف أين حدثت الأخطاء في حياتي و أين كان الصواب الذي أوصلني لحيث استقر بي الحال الآن وإن كان إلى حين، فالإنسان كما نعلم هو نتاج تجاربه الإنسانية وخبراته الحياتية، الإيجابية منها والسلبية، وهي التجارب التي تعتبر رأس المال الحقيقي لكينونتنا كبشر وواجهته و باطنيته بكل تناقضاته وتجاذباته.

تمر علينا الأيام والسنين دون أن يعي بعض منا إن كان هذا الزمان الغالي الثمن والرصيد الذي ينفذ مع كل لحظة تمر منا دون وعي هو في الحقيقة نتاج لكل الأخطاء والنجاحات التي لوّنت حياتنا منذ لحظات الولادة الأولى، فصور اليوم الأول في اروقة المدرسة واليوم الأول في الوظيفة أو لحظتنا الأكثر براءة عندما يشعر الطفل منا أنه يعشق ابنة الجيران كلها أطياف لما نحن فيه اليوم وإن كانت الألوان بطبيعتها تبهت مع الزمن وتجف أحبارها مع السنين.

أنا مؤمن بأننا نرسم طريقنا بأنفسنا، وما نحصده في مراحل حياتنا المختلفة ما هو إلا ما بذرته أيدينا وأرواحنا وكلماتنا ومشاعرنا الإنسانية، وهو الإيمان الذي يجعلني دائما أقف لحظة صمت وتأمل ذاتية كلما تحدث هزة إنسانية غير متوقعة تغيّر مسار هذه الحياة المكتظة بكل شئ، وهي اللحظات التي أستطيع من خلالها أن أعيد شريط الزمان أمامي لأتأمل أين وقع الخطأ وأين كان الصواب، لا من أجل محاولة إصلاح وتغيير الماضي فذلك من المستحيلات البشرية بل لأجل أن يكون المستقبل وليداً من رحم تلك التجربة أو متوشحا روح ذلك الخيال الذاتي.

كنت وما زلت متفائلا بالمستقبل، رغم تشككي في أننا كبشر قادرون على فهم هذه الحياة الجميلة بتناقضاتها و نشازها ومنطقيتها غير المنطقية، فعلى جدران الكهوف رسم الانسان الاول لوحات لأقوام يسيرون في قوافل التاريخ، لم يتبقى منهم إلا وجوههم فينا ولم نُبقِ نحن منهم سوى ذكريات مما قاموا به من أجل أن نكون اليوم هنا نتحدث عنهم وعنا، تمر بنا الأيام إذاً وتبقى الأحزان فينا أحزاناً وإن تشكلت مع الزمان وأصبحت ماضياً، ويبقى الاحبة في ذواتنا أحبة وتبقى الأرواح فينا متعلقة بما علق بها من تاريخ قريب وبعيد.. نجفف من على خدود المشاعر الدموع ونغسل بها قلوبنا المتعطشة ذكرى وحنين، ننظر للامام وارواحنا معلقة بأستار تجاربنا مهما حاولنا الانعتاق.

صدق الفيلسوف الألماني “إيمانويل كانت” الذي قال ان الإنسان لا يتطور بالراحة، التجربة والمعاناة والمحاولة هي التي تطور روحه.


أرسلها عبر الفيس بوك
انشرها عبر تويتر

عزيزي زائر المدونة أشكرك على تلطفك بالمحافظة على النقاش الهادئ و المتزن و الهادف للإستفادة و الإفادة. تحياتي ... ياسر

اترك تعليقاً