عندما يُفقد العقل بسبب سوزان

المتابع للإعلام العربي خلال الفترة الماضية يلاحظ أنه أصبح أكثر متابعة للأحداث و القضايا التي تندرج تحت مسمى الصحافة الصفراء و هي تلك التي تهتم بالجنس و الفضائح و السحر و الجرائم و الإثارة و ما إلى ذلك من أمور فيها كثير من التسطيح للفكر و بعد عن الجدية في الطرح و انعدام في الأهمية و في مدى التأثير على المجتمع.
و لعل قصة مقتل الفنانة سوزان تميم لهو دليل قاطع على هذا التوجه الذي أصبح الإعلام بكل أطيافه الجاد منه و غير الجاد يركز انتباهه
و تغطياته و تحليلاته المختلفة بحيث أصبح متابعة مستجدات القضية أمر أساسيا لدى كثير من الناس و منهم من لا يمكن اعتبارهم ممن يتأثرون بقصص الإثارة و الجرائم هذه بحكم خلفياتهم التعليمية و المهنية الجادة و المحترمة و القيادية و التي تتميز بعقلانية في التعامل مع القضايا و الوقت و الجهد.

قصة الفنانة اللبنانية سوزان تميم و التي وجدت مقتولة في شقتها في دبي أثارة ردت فعل إعلامية موزونة في أول الأمر لاعتبار أن القتيلة فنانة مشهورة و جميلة و ما إلى ذلك، كما أن اتهام رجل الأعمال و عضو الحزب الحاكم المصري هشام طلعت مصطفى بالضلوع وراء جريمة القتل هذه أصبغ على الحادثة أبعادا أكثر دراماتيكية على اعتبار أن الحادث ربما يكون له إمتدادت سياسية و مالية قد تسهم في توريط أسماء و تجمعات سياسية و مالية أخرى.

وقد أعلنت مجموعة طلعت مصطفى بعد إعلان تورط هشام أنها قد عزلته من منصبه و عينت أخاه بدلا عنه و ذلك بهدف إبعاد المجموعة عن قضية القتل و الحفاظ على أعمال المجموعة من الانهيار و محاولة الحفاظ على سعر المجموعة في سوق الأوراق المالية المصرية، و قد تعاملت وسائل الإعلام بهذا الخبر في حينه كخبر اقتصادي عادي و لم تغرق في تحليله كما يجب و لم تقم بطرح التساؤلات المنطقية في هذه الظروف بالحجم المطلوب بإستثناء أصوات هنا و هناك، تساؤلات من قبيل مدى ارتباط المال بالسلطة و بالجريمة و مدى ارتباط المال و الأعمال بقطاعات الفن و ما يتضمنه من أعمال البلطجة و الإبتزاز و ما إلى ذلك.

لقد أتضح بعد مرور إعلان تنحية هشام بأن اهتمام الإعلام الفعلي للقصة يتركز في الجزئية الخاصة بالقصة من حيث هي قصة قتل و إثارة و علاقات هنا و تأمر هناك دون محاولة تفسير و بحث القضية من مطلقاتها و تأثيراتها الاقتصادية و البنيوية لنظام مالي و سياسي يشوبه كثير من الفساد و المحسوبية.

مشاهدتي لبعض من الزملاء و الذين اصطفوا أمام قناة ( اليوم ) لمشاهدة عمر أديب يستضيف في دبي الأخ سامي الريامي رئيس تحرير جريدة ( الإمارات اليوم ) للحديث عن القضية و تفاصيلها من وجهة نظر إماراتية لهو منظر لم أكن أتوقعه ليس لأن الموضوع لا يستحق المتابعة العابرة و لكن لمدى اندماج هؤلاء الزملاء في حيثيات القضية و دقة متابعتهم لخلفيات العلاقة و طبيعة دور جميع الأطراف المعنية بالقضية، و الغريب في الأمر بأن قضايا يومية حياتية و مشاكل يومية تحدث في بلادنا و تمسنا مباشرة مثل سجالات بعض الشخصيات حول الهوية و الانتماء أو تحقيقات حكومية حول فساد هنا أو فتوى أثارت استياء هناك لم تكن ضمن اهتمامات هؤلاء لا من قريب و لا من بعيد، و لعل ذلك مرده لافتقار تلك القضايا لعناصر الإثارة و الجنس و المؤامرات ، كما أن ذلك مرده لافتقار تلك القضايا لاهتمام الإعلام و التي حولت قضية قتل فنانة إلى برنامج من برامج  الواقع و استطاعت أن تشل بذلك تفكير كل عقل مبرمج لتقبل إعلاما سطحيا لا يحرك تفكير و لا يشبع روح.


أرسلها عبر الفيس بوك
انشرها عبر تويتر

عزيزي زائر المدونة أشكرك على تلطفك بالمحافظة على النقاش الهادئ و المتزن و الهادف للإستفادة و الإفادة. تحياتي ... ياسر

12 responses to “عندما يُفقد العقل بسبب سوزان”

  1. Georgette Busta

    I simply want to mention I am all new to blogs and honestly liked your blog site. Likely I’m want to bookmark your blog . You absolutely have terrific articles and reviews. Regards for revealing your blog site.

  2. معن بعد طلعت ،، هشام قبل الراجحي

    […] طلعت مصطفى) يُتهم ثم يدان بقضية قتل الفنانة اللبنانية (سوزان تميم) ليواجه حكم القاضي بالإعدام ، و هي القضية التي هزت […]

  3. ميقات الذاكرة

    الموضوع

    تشعب وأخد الكثير من المساحة !!

    ودمتم ..

  4. coolksa

    بكل بساطة يا استاذي ياسر … لا أذكر على حياتي الا قصتين لمقتل مغنيات المرحومة (بإذن الله) ذكرى و سوزان تميم … بمعنى ان أمورا مثل هذه نادرة الحدوث في مجتمعاتنا على حد علمي المتواضع.
    وبالنسبة للصحافة بدأ هناك منحى جديد يطرأ على الساحة وهو التنافس على عدد القراء مهما كان نوع الخبر مما أدى الى تدني المستوى العام للأخبار بحكم أن شريحة كبيرة من (البشر) تهوى الفضائح والأخبار الغريبة على مجتمعهم.

    دمت لنا بكل صحة يا شايبنا ^^

  5. هيفاء /    مصر  فى مهب الريح

    فى خلال الثلاثين عاما الماضية تعرضت مصر الى حملة منظمة لنشر ثقافة الهزيمة – The Culture of Defeat – بين المصريين, فظهرت أمراض اجتماعية خطيرة عانى ومازال يعانى منها خمسة وتسعون بالمئة من هذا الشعب الكادح . فلقد تحولت مصر تدريجيا الى مجتمع الخمسة بالمئه وعدنا بخطى ثابته الى عصر ماقبل الثورة .. بل أسوء بكثير من مرحلة الاقطاع.
    هذه دراسة لمشاكل مصرالرئيسية قد أعددتها وتتناول كل مشاكلنا العامة والمستقاة من الواقع وطبقا للمعلومات المتاحة فى الداخل والخارج وسأنشرها تباعا وهى كالتالى:

    1- الانفجار السكانى .. وكيف أنها خدعة فيقولون أننا نتكاثر ولايوجد حل وأنها مشكلة مستعصية عن الحل.
    2- مشكلة الدخل القومى .. وكيف يسرقونه ويدعون أن هناك عجزا ولاأمل من خروجنا من مشكلة الديون .
    3- مشكلة تعمير مصر والتى يعيش سكانها على 4% من مساحتها.
    4 – العدالة الاجتماعية .. وأطفال الشوارع والذين يملكون كل شىء .
    5 – ضرورة الاتحاد مع السودان لتوفير الغذاء وحماية الأمن القومى المصرى.
    6 – رئيس مصر القادم .. شروطه ومواصفاته حتى ترجع مصر الى عهدها السابق كدولة لها وزن اقليمى عربيا وافريقيا.
    ارجو من كل من يقراء هذا ان يزور ( مقالات ثقافة الهزيمة) فى هذا الرابط:

    http://www.ouregypt.us/culture/main.html

  6. odah

    يبدو ان تفاصيل الموضوع اكبر من مستواي التفكيري 🙂 حقيقة لم افهم بعض الملابسات التي حاولت ايصالها ..

    ولكن كل ما اريد قوله هو ان مثل هذه الامور لاتظهر ابداً بحقيقتها باختلاف الاسباب !!

  7. بو تركي

    انت خابر يابو عبدالعزيز الاخوان المصريين حطو من الحبه اقبه
    وخاصة قناة العبريه اهتمت بالموضوع وبداءة تشتغل عليه هل من الممكن ان يكون كل هذا المبلغ ياخوي سم فار يقلبها فوق تحت وخلصنا

    شكرا على الفطور ونسيت اقول لك الوغد الوغد

  8. Buthaina Nassr

    شكرا على المقال استاذ ياسر .. أنا أتفق معك تماما بضرورة نقاش الموضوع وتحليله وعدم غض النظر عنه ولكن بأسلوب علمي حضاري يعود بفائدة تنموية على المتلقي..
    دراسة وتحليل البعد السياسي للقضية مهم جدا.. كذلك الاقتصادي والإجتماعي و الحقوقي.. و علاقة كل ذلك وتأثيره على الفن كثقافة وأداة تواصل مابين الشعوب وأحد محددات الهوية … الخ
    للأسف لدينا كم هائل من المجلات الصفراء والصحفيين الصفر أيضا.. والقنوات الموسيقية التي لا تعد ولا تحصى.. إلا أنها جميعا لم تتناول مفهوم الفن كثقافة.. أو نقابات الفنانين وشركات الإحتكار ومايجري من غسيل أموال واضح للعيان في كثير من المناسبات.. الخ
    بالفعل صدقت.. نحن نتحول لمجتمعات تستمتع بالغالب بالنميمة أكثر من الدراسة و البحث.

  9. سوالف أحمد

    لا بالعكس اخوي ياسر انا اشوف الاهتمام مقبول خاصة ان القصة مثيرة وشيقة – سواء اختلفنا معها او اتفقنا – وأنا أتحدث هنا من جانب اعلامي خبري .
    اعتقد أن أكثر شيء لفت نظري هو حكاية الـ 250 مليون والتي قيل أن القتيلة تملكها ، والوصية التي نقلت عنها

  10. مثقف عربي

    هل يمكن القول . . أن زامر الحي لا يطرب .. ؟ !!

اترك تعليقاً