دعوني ابدأ بالقول أنه وبصرف النظر عن ما إذا كنت عزيزي القارئ دعوت لإنسحاب اللاعبة السعودية تهاني القحطاني من مواجهة اللاعبة الإسرائيلية أو كنت ضد الانسحاب فإن الموضوع المهم في تقديري ليس هذا، بل في ما تم تحقيقه من المشاركة الكاملة للسعودية أو أي دولة في المحفل الأولمبي العالمي، فقضية لاعبة الجودو السعودية لم تكن في تقديري الشخصي أكثر من جدلية سياسية بين طرفين يعملان على استغلال أى مسألة للتعبير عن موقفهم السياسي تأييداً لتوجه ما أو إعتراضاً عليه.
الآن وقد نحيت هذا الموضوع جانباً، دعوني أتحدث معكم حول القضية التي أراها هي الجوهرية والتي يتم التطرق لها مع الأسف على استحياء مع كثير من التبرير والثناء بحجة محاربة وصف “جلد الذات”، هذا الوصف الذي يشيطنه كل من لا يحب أن يرى نفسه في المرآة ويكره مصارحة ذاته.
في عام ٢٠١٢ كتبت في هذه المدونة مقالاً بعنوان “حضرت المرأة وغاب الذهب وماذا بعد” تحدثت فيه بشيء من القسوة عن المشاركة الأولى للمرأة السعودية في المحفل الرياضي العالمي، وهو المحفل الذي لم نشعر في يوم أنه يخصنا أو أننا جزء منه، فعلى الرغم من الميداليات الثلاثة (فضية وبرونزيتين) التي حصلنا عليها في تاريخنا في المشاركات و الذي شارف على الخمسين عاماً، فإننا ما زلنا نعد ضمن الدول الفقيرة في الإنجازات حتى بالمقارنة مع بعض الدول الأصغر حجماً وقدرة مالية وتأثير سياسي (بعض الأمثلة سأوردها في آخر المقال)، مما يدفعنا للقول أن الحجم الجغرافي والقدرة المالية والتأثير السياسي لا تصنع بالضرورة عظيماً على الأقل من وجهة النظر الرياضية.
سألت في حسابي في سناب تشات عن السبب الذي يجعلنا في السعودية على وجه التحديد حتى الآن دولة متخلفة اولمبياً ولماذا لم نتمكن من تحقيق أي إنجاز حقيقي (ولو ذهبية واحدة) في التاريخ، وقد وردتني العديد من التعليقات من المتابعين سأورد مختصرها في النقاط التالية.
تركزت وجهات نظر من جاوب على أن الأسباب تعود إلى:
١- تركيز دعم الحكومة والأندية على تنشيط الألعاب الجماعية (رغم أننا حتى في هذه لم نحقق شئ في الالمبياد سوى التأهل).
٢- إعتبار التأهل من جهة والمشاركة من جهة أخرى في حد ذاته إنجاز.
٣- غياب الدعم المالي الحقيقي الحكومي منه والقطاع الخاص للرياضات الفردية.
٤- الإهتمام كله منصب على رياضة كرة القدم.
٥- لا قيمة للفرد في مجتمع الجماعة، لذلك فالإنجاز الفردي لا يمثل منهج التفكير الإجتماعي.
٦- إهمال الرياضة المدرسية والجامعية وعدم النظر لها باعتبارها مصنع للأبطال.
٧- ليس هناك احتراف في الرياضات الفردية.
٨- غياب مفهوم الحياة الصحية في المجتمع وبالتالي فإن الرياضة في نظر المجتمع ترفيه أكثر من من كونها حاجة حياتية.
٩- ضعف اتحادات الرياضات وعدم وجود إستراتيجية عمل والمحسوبية في التعيين، في وقت يبقى الأعضاء في مناصبهم حتى بعد الإخفاق المتكرر.
١٠- إعتماد تصاريح المسؤولين الرياضيين كمسكنات للإخفاق، والقبول بوعود الإنجاز في السنوات القادمة دون أن تتحقق وعودهم ابداً.
١١- الرياضي لا يملك الطموح الشخصي الكافي ليحقق الإنجاز، فإن فشل فهو وحده من فاشل و إن أنجز فهناك من سيشاركه الإنجاز.
١٢- غياب الاهتمام الإعلامي المحلي بالرياضات الفردية والتعامل معها كأخبار جانبية.
١٣- المشاركة في الأولمبياد بالمتوفر من الرياضيين حتى وإن لم يكونوا على مستوى المشاركة بالحد المقبول.
١٤- عدم وجود خطة تجهيز للرياضيين بعيدة المدى تكون عبر تأهيلهم في المراكز العالمية ومن أعمار مبكرة.
١٥- الإكتفاء بتحقيق إنجاز بسيط يمنحنا مسكّن لعقود واعتباره يلبي الطموح (ميدالية فضية وميداليتين برونزية في تاريخ المشاركات السعودية التي بدأت عام ١٩٧٢م).
قد يقول أحدكم لماذا ينصب الحديث هنا عن الرياضات الفردية فقط، والجواب ببساطة لأن معظم الميداليات في الألعاب الأولمبية هي ألعاب فردية، في وقت نعلم جيداً مستوى الإحتراف في الألعاب الجماعية في العديد من الدول و التي تحتكر بشكل كبير تلك الألعاب وربما يصعب المنافسة فيها، الأمر الذي يدفعنا للاعتقاد والقول أن فرصة تحقيق الذهب ربما يكون أسهل فيما لو كان التركيز على الألعاب الفردية التي يكون فيها الفرد المؤهل جيداً أكثر قدرة على منافسة فرد آخر حتى إن كانت دولته معروفة بتحقيق الإنجاز.
لابد من الإشارة هنا إلى أن سبب الإخفاق أو لنصفها كم يحب البعض تهويناً القول “عدم تحقيق إنجاز” والتي أوضحتها في النقاط الخمسة عشر السابقة ليست بالضرورة كل الأسباب، فهناك أسباب ربما لم تخطر على ذهن من جاوب على السؤال او ربما لم يشارك في الإجابة رياضي يعلم تفاصيل التفاصيل من الداخل ليخبرنا عن الأسباب التي تخفى عن المتابع من الخارج، إلا أن المهم في الأمر هو أن هذه الأسباب إن لم ينظر لها باعتبارها مواطن ومسببات لإخفاقنا الذي أصبح معتاداً والتعامل معها بجدية و نية حقيقية وقبل كل ذلك رغبة في تحقيق الإنجاز بالعمل الجاد فإن تحقيق الإنجاز سيبقى عصياً على عقلية رسمية وإجتماعية ترى أن المشاركة في حد ذاتها انتصاراً !
سأنهي هنا ببعض الأرقام لبعض الدول التي حققت حتى تاريخه ميدالية ذهبية واحدة على الأقل من الدول التي لا تملك بالضرورة المقومات التي تتوفر لدينا، فنجد من تلك الدول مثلاً فيجي وسورينام وبروندي غرينادا حققت كل واحدة منها ميدالية ذهبية واحدة، أما ذهبيات الدول العربية فمصر حققت سبعة ميداليات ذهبية والمغرب ستة والجزائر خمسة وتونس أربعة والبحرين حققت ميداليتين ذهبية وكل من الأردن وسوريا والإمارات وقطر ميدالية واحدة، في حين حققت دول النزاع في المنطقة تركيا ٣٩ ميدالية ذهبية وإيران ٢١ ميدالية ذهبية.
تبقى للسعودية حتى يوم ٧ أغسطس القادم منافستين، يمكن أن تكون موعدنا الذي طالما انتظرناه مع الإنجاز، فإما أن نحتفل ونقول حينها أننا دخلنا نادي الذهب أو نبقى على حالنا حتى يحين ذلك اليوم الذي طال إنتظاره.