مخاطر الشقيري

المقال منشور في جريدة البلاد السعودية
ظهرت خلال الأيام الماضية ومنذ دخول الشهر الفضيل أعاده الله علينا وعليكم باليمن والمسرات عدد من الأصوات التي تطالب بمقاطعة برنامج “خواطر” ومقدمه أحمد الشقيري مرجعة ذلك بسبب نقده اللاذع لبلاد المسلمين وتصويرها كما لو كانت دولا متخلفة ينخرها
الكسل وعدم القدرة على مجارات الدول المتقدمة في مناحي الحياة المختلفة الاجتماعية منها والتنظيمية والحياتية، وهي اتهامات يهدف المؤيدون لها أنها ستؤدي لردع الشقيري وإيقافه عن التمادي في تصوير بلاد المسلمين وكأنها أرض لا خير فيها ولا في أبنائها الذين اشتهروا بقيامهم بالأعمال الخيرية دون أن يسعوا للشهرة وللسمعة وتحقيق المكاسب الشخصية وهي مميزات يتهم الشقيري من قبل معارضيه أنه يسعى لتحقيها لنفسه.

برنامج خواطر للقلة ممن لا يعرفونه هو برنامج تبثه قناة الأم بي سي كل يوم قبيل آذان المغرب بتوقيت الرياض يتناول فيه وللسنة السابعة علي التوالي مواضيع اجتماعية برؤية إسلامية معاصرة تكشف التناقض الذي تعيشه بعض بلاد المسلمين مع ما تدعيه من قيم وذلك بمقارنتها ببعض الدول الغربية والعربية والتي تطبق أسسا ومفاهيم هي أقرب للإسلام مما تعيشه دول تدعي تطبيقه.

لا أعرف أحمد الشقيري شخصيا ولم ألتقيه قط، كما أني لست من المتابعين الوفيين اليوميين لبرنامجه كما هو الحال لشريحة عريضة من شباب وشابات بلادنا الحبيبة وأبناء البلاد العربية المجاورة والذين أصبح الشقيري لهم (ستار) إسلامي بكل ما تحمله الكلمة من المواصفات تسويقية وترويجية مرافقة وبكل ما تعنيه الكلمة من إيمان مريديه ومشجعيه بكل ما يدعو له في برنامجه الذي أصبح وفق المراقبين من أنجح البرامج الجادة من الناحية التجارية والجماهيرية نظرا للمنطق الذي يستخدمه الشقيري في تناوله للمواضيع والتي تعتمد علي المقارانات وإيصال المعلومه دون تقعير لغوي مستخدما وسيلة الترغيب أساس في الدعوة بهدف الإرتقاء بالإنسان للمستويات الحضارية التي كان الإسلام أول من دعي لها.

الملاحظ أن التناول الناقد للشقيري وبرنامجه يركز أساسا على أمور شخصية تمس الشقيري ذاته دون النظر لبرنامجه ومدى قدرته على التأثير بالشباب والذين في تقديري هم الجمهور المستهدف، حيث تتركز تلك الانتقادات والتي أرى جلها سطحية حول طريقة ملبسه وكونه “صدّق نفسه” بأنه أصبح نجما دعويا تلفزيونيا وأنه استخدم الرفاهية في الدعوة من خلال التنقل حول العالم على حساب غيره لإنتاج البرنامج، وأن دسه السم في العسل له مخاطر كبيرة على المجتمع وهي تهم نسمعها كثيرا عند وجود خلاف بين طرفين لسهولة إطلاقها على العموم إلا أن إثباتها والاتفاق حولها بين الجميع يكون دائما الأمر الأصعب.

لست هنا في موقع المدافع عن الرجل وبرنامجه بقدر ما أنا مراقب للمشهد الإعلامي ومهتم بمحاولة فهم الأسباب التي تدعو لمثل هذه الدعوات خصوصا عندما يتعلق الموضوع ببرنامج من الواضح كما يقول الكثيرون أنه يفيد أكثر مما يدعيه البعض من أنه يفسد، و أنه يحقق بنجاح المصلحة على الأمد الطويل بمقابل إستراتيجيات الغير التي تستخدم تكتيكات الترهيب التي ربما لا تحقق إلا نتائج إيجابية على المدى القصير.

عندما تحدث الشقيري في إحدى حلقات خواطر هذا العام عن موضوع القضاء، صور وبشكل واضح كيف تدار العملية القضائية في كل من دولة أوروبية غير إسلامية مثل النرويج وفي دولة إسلامية عربية مثل “دبي” بدولة الإمارات العربية المتحدة حيث كشف دون أن يقول صراحة وشخّص دون أن يغرق في الدراسات وبين دون أن ينمق في العبارات ما سبق أن دعت إليه دولتنا الرشيدة من أهمية إعادة هيكلة وتنظيم للقضاء في المملكة، وهو العمل الذي سيصب في مصلحة المجتمع بعيدا عن الارتكاز على رأي الفرد القابل للخطأ ودون الحاجة لتطبيق أسس قانونية لا ترتبط بشريعتنا السمحاء والتي أوضح لنا البرنامج أن لها وجها حديثا طبق عدله الغريب والقريب.

من المحزن القول بأننا كعرب ومسلمين ليس لدينا مشكلة في الغالب في تقبل فكرة أن يتغلب علينا الغربي بتقدمه العلمي والعسكري والاجتماعي حتى أصبحت مقوله (في أوروبا والدول المتقدمة يحدث كذا وكذا) في ديباجه تستخدم عند الحديث عن الفرق الشاسع بين ما نعيشه نحن العرب والمسلمين وبين ما تعيشه تلك الدول الغربية من تقدم، إلا أننا نصاب بحالة من “الأرتيكاريا” وتثور ثورة الثائرين عندما تكون المقارنة بإحدى الدول العربية الشقيقة رافضين الإعتراف بتقدم الشقيق وناقمين على كل من يدعي رجعيتنا مقابل تلك الدولة العربية أو تلك، وربما للمتابعين من الرياضيين يتذكرون كيف كانت مثلا ردت فعل الشارع الرياضي المصري قبل أعوام عندما خسر منتخبهم وبنتيجة كبيرة من المنتخب السعودي في بطولة القارات وما تلى ذلك من الإتهامات للاعبين والإداريين المصريين بتلقي الرشوة وبالتخاذل الوطني وما إلى ذلك، في وقت لم يعترض أو يثور الشارع المصري ذاته عندما خسر نفس منتخبهم من المنتخب البرازيلي.

ربما من أهم الأسباب التي دعت لمثل هذه دعوة مقاطعة الشقيري هذه هي أن الشقيري تمكن كما قال أحدهم من أبتكار وبوعيه “رؤية للإسلام الجميل” وهي الرؤية التي يرى فيها المعترضون أنها من ممارسات مدارس إسلامية لا يخضع خطابها الدعوي لصوت خطاب مدرسة المعترضين ممن يفضلون طرقا أكثر كلاسيكية في النقد وفي الدعوة وفي الإرشاد، وبالتالي يتضح بأن الإعتراض هنا إمتزج ما بين الإعتماد على الهجوم الشخصي من جهة ومحاولة إسكات منافس من جهة أخرى في ممارسة واضحة لإعتراضات تتجاوز بطبيعتها الهدف الأسمى من العمل الدعوي إلى الطريقة والوسيلة وتجاوب الجمهور وإرتفاع صوت التصفيق والتشجيع.

بالنسبة لي كمهتم بموضوع تأثير الخطاب الإعلامي في المجتمع يمكنني القول بأن أحمد الشقيري وبرنامجه خواطر تمكن من تقديم الدين الإسلامي الحنيف كعنصر حضاري في تقدم أي أمه وتمكن من ربط قيمه العظيمة بالسلوك الإنساني والإجتماعي من خلال المعاملة العادلة والصالحة والمتكافلة مع محيطها القريب والبعيد، وهي الأسس التي بها تتحول المجتمعات كلها لمصاف الدول المتقدمه التي يمكنها أن تكون قدوة لباقي الأمم تماما كما كانت عندما طبق الإسلام بروح عصره والذي أنزله الله تعالى ليكون صالحا لكل زمان ومكان.


أرسلها عبر الفيس بوك
انشرها عبر تويتر

عزيزي زائر المدونة أشكرك على تلطفك بالمحافظة على النقاش الهادئ و المتزن و الهادف للإستفادة و الإفادة. تحياتي ... ياسر

8 responses to “مخاطر الشقيري”

  1. Andrew Pelt

    I simply want to say I am newbie to weblog and actually savored your page. Probably I’m going to bookmark your blog . You actually have perfect well written articles. Many thanks for revealing your blog site.

  2. adult web promotion

    Good write-up, I am normal visitor of one’s site, maintain up the nice operate, and It is going to be a regular visitor for a lengthy time.. regards!

  3. escorts uae

    شكرا جزيلا على هذا المقال . أود أيضا أن أذكر أنه يمكن أن يكون من الصعب وربما أثناء وجودك في المدرسة و بدأت للتو لبدء الائتمان التاريخ الطويل. هناك العديد من الأفراد الذين يحاولون فقط لتحمل و منذ فترة طويلة أو المنفعة الائتمان التاريخ يمكن أن تكون عنصرا من الصعب أن يكون. فيما يتعلق

  4. mallouk

    شاهدت بعض حلقاته ولم يرقني مقارنة ما للغرب من آليات ساعدته على تبوء مكانة متقدمة مع ما لنا من آليات مستبدة كرست تخلفنا على مر العصور
    تحيتي ومودتي

  5. خالد

    حقيقة، إن التكبّر عندنا هو ما يمنع قبولنا وجهاً دعوياً معاصراً، وهو ما يمنع قبولنا بفكرة تفوق الغرب معيشياً علينا. والمطلوب منا أن نعقل ما نسمع من هذا الرجل، نأخذ منه النفيس ونترك منه ما لا يعجبنا. إنه إنسان ناجح.

  6. حسام

    الاخ ياسر, دائما ما احب ان اقرأ كتاباتك الرائعة ولو اني اختلف معك بوجهة النظر احيانا, انا من المعجبين ببرنامج الشقيري ولكن اتفق معك انا بلادنا العربية ليست خالية من الخير في كثير من الامور وانا البلا د الغربيه ليست كلها خير ونظام ونظافة كما يصورها لنا البرنامج, انا عشت في بلاد غربية وعربية, ورأيت الجيد والسيء في كلا الطرفين, ولكن الفرق بين البلاد العربية والغربية انا النظام والنظافة والالتزام بالقوانين واحترام انسانية الانسان هي نمط متفق عليه في البلاد الغربية وهو العرف السائد, لكن في بلادنا الفوضى وعدم الالتزام بالواعيد وعدم احترام القانون هو السائد, هذا هو الفرق, كل الحب والاحترام

  7. محمد

    للأسف .. برنامج الشقيري فضح الكثيرين .. لذلك هم ينتقدونه .. انا متابع جيد للبرنامج – بشكل عام – وأرى فيه امور طيبة بصراحة تدعو لتطوير بعض الامور في الدول العربية ..
    الله يوفقك يا الشقيري ..
    والف شكر لك على المقال

  8. نورة المرزوقي

    أحمد الشقيري يحاول تذكير الناس بأن الدين المعاملة وليس فقط أحكام و عبادات ،، بطريقة اظهار ذلك عن طريق عادات اسلامية يمارسها سكان دول غير مسلمة ،، فهم أصبحو مسلمين بالأخلاق لا بالدين ،، ولكن هناك شريحة كبيرة من الناس كما ذكرت أصبحو يهاجمون الشقيري بشكل شخصي ،، باعتقادهم انه يركز فقط على سلبيات المجتمع ،، فهم لا ينظرون الى البرنامج من ناحية إنه بتريكزه على هذه السلبيات كما يعتقدون يحاول إيجاد حلول لها لا أكثر ،، ليرتقي المجتمع الإسلامي لأنه في الأساس يجب أن يكون أرقى المجتمعات

اترك تعليقاً