زواج التناقضات بين التونسي و عكاظ

لعل كثير منكم سمع أو قرأ مؤخرا خبر تعيين الصحفي السعودي المعروف الأستاذ محمد التونسي رئيسا لتحرير جريدة عكاظ السعودية واسعة الانتشار ذات الخط المحلي الممزوج بالإثارة الصفراء من جهة و الرصانة النقدية للشأنين السياسي و الاجتماعي من جهة أخرى، و هي الجريدة التي طالما تنافست مع غريمتها اللدود جريدة الرياض على مركز الريادة المحلية على باقي الصحف السعودية و ذلك من حيث التوزيع و المبيع و بالتالي الوصول لأكبر شريحة
مستهدفه يصرف للوصول إليها المعلن ملايين الريالات، و هو أمر كان له الأثر الأكبر على استمرار و تتالي نجاح تلك الجريدتين من الناحية الجماهيرية و التجارية.
و لا شك في أن محمد التونسي بشهادة أساتذته و تلاميذه و متابعيه و منتقديه يعد من أنبغ الصحفيين السعوديين الذي أنجبتهم الصحافة السعودية في العشرين سنة الأخيرة من حيث قدرته على الابتكار الخلاق و تطوير التفكير المهني الصحفي و هو الذي ساهم ضمن من ساهم في تربع جريدة الشرق الأوسط مركز الريادة العربية لسنين طويلة و ساهم مساهمة رئيسه في وضع جريدة الاقتصادية على الساحة الصحفية المحلية منذ انطلاقتها، و هو الخبير الذي كان له إسهامات واضحة في الدفع نحو الارتقاء بالصحافة المحلية السعودية لمستويات أرقى مهنيا و جماهيريا، فقد استطاع أن يجد نقطة التماس بين المسموح و الممنوع ليكشف كل أوجه القبح و الجمال التي تحويها و التي خاف منافسوه زمنا طويلا مجرد التفكير بخطوه جريئة تشبهها و لعل تجربته في إدارة قناة الإخبارية دليل واضح على قدرته على التعامل مع الخطوط الحمراء بذكاء شديد.
إلا أني لم أستطع بعد فهم المنطق المهني و السبب الإداري و الهدف التطويري الذي دعا مؤسسة إعلامية مثل عكاظ عُرف عنها ارتباطها الوثيق المعلن و الخفي مع قوى التسويق و الإعلان على اختيار التونسي كرئيس لتحرير جريدتها و هو المنصب الذي يسيطر على السياسة التحريرية و الإعلانية و التي من أهم أعمالها كشف خبايا الأمور او التستر عليها، فكيف سيتم التوفيق ما بين عقلية مؤسسة عكاظ ذات التحريك و التوجه التجاري و نمط التونسي المهني الرافض و المعادي في كثير من الأحيان بل الرقيب و المشكك الدائم بنوايا القطاع الخاص و هو القطاع الذي يعتبر مصدر الربح و الخسارة الأول و الأخير لتلك المؤسسة.
في المقابل لم استوعب بعد كيف قبِل محمد التونسي هذه الوظيفة و هو الصحفي الذي كان له صولات و جولات عداء مع رجال أعمال و شركات لم تسلم من نقده و تشكيكه و الهمز و اللمز بمنتجهم او خدماتهم بحيث كان في وقت مضى ينظر له على أنه السلطة الرابعة الحقيقية الرقيبة على القطاع الخاص و هو أمر كان له تأثير سلبي بطبيعة الحال على ربحية الصحف التي كان يعمل بها التونسي و تحديدا (الاقتصادية) و التي عانت طويلا نتيجة هجرة القطاع الخاص عن الإعلان في صفحاتها كردة فعل انتقامية لمواقف التونسي تجاه مشاريعهم و شركاتهم.
لا أعتقد بأن قناعات الطرفين قد تغيرت، فلا أظن أن مؤسسة بحجم عكاظ سترضخ لرغبات فلسفية و قناعات نرجسية لشخص بحيث تؤثر تلك الرغبات على زيادة الأرباح و صافي العوائد و النمو الذي يهدفون لتحقيقه، و لا أعتقد بأن شخص مثل محمد التونسي و الذي كان و لا يزال عنيدا فيلسوفا نرجسيا بكل ما تحمله الكلمة من معاني إيجابية أن يرضخ للقرار الإعلاني و المحرك التجاري على حساب مهنيته و قناعاته حول دور الصحافة كرقيب اجتماعي إن لم يكن على الساسة و السياسيين فعلى التجارة و رجال الأعمال فذلك أضعف الإيمان.
ربما هذه العلاقة الوليدة بين النقيضين ستنتج لنا سابقة جديدة في العمل الإعلامي السعودي لم نعهدها، ففي وقت كنا نعتقد في الماضي بأن إيقاف رئيس تحرير عن العمل لسنين طويلة ثم تعيينه من جديد في نفس المنصب هو حدث لا يتكرر إلا مرة واحدة في القرن و هو ما تكرر لأكثر من مرة حتى أصبح ذلك جزأ من عملية التأسيس و التدريب و التأهيل للقيادات الصحفية المحلية، و عليه فزواج التناقضات الذي نشهده اليوم بين عكاظ و التونسي قد يكون مقبولا رغم عدم منطقيته و غرابته بحيث يبقى السؤال مطروح، هل سينتج لنا هذا الزواج طفلا معوقا أو غير مكتمل النمو، أم سيولد لنا كائن عبقري سينقل الصحافة المحلية إلى عالم لم نعرفه بعد قد يسميه البعض الـ………..


أرسلها عبر الفيس بوك
انشرها عبر تويتر

عزيزي زائر المدونة أشكرك على تلطفك بالمحافظة على النقاش الهادئ و المتزن و الهادف للإستفادة و الإفادة. تحياتي ... ياسر

5 responses to “زواج التناقضات بين التونسي و عكاظ”

  1. Marquis Lange

    I simply want to mention I am just new to blogs and actually liked your web-site. Very likely I’m want to bookmark your blog . You actually have tremendous posts. With thanks for revealing your web-site.

  2. الحقيقة

    أقول جازماً أستاذ ياسر أنك لم تعمل مع الأستاذ محمد بشكل مباشر

    أما مسألة أن الرجل يمتلك فكر خلاق ورؤية صحفية فهذا غير صحيح على الإطلاق، وطوال عامين أمضيتها إلى جواره في عكاظ فلم أجد هذا الأمر على الإطلاق.

    قبل أن نصاب بهالة وذهول من شخصية ساعدتهم الظروف على تبوء مواقع قيادية، يجب أن لا نحكم اعتباطاً.

    إسأل من عملوا مع التونسي لتعرف كم هذا الرجل على غير ما حكمت عليه

  3. Bander Alhasan

    خسارة قطره من بحر اسهل من خسارة مشروع بحر قارب على الجفاف .

    اعتقد لو استبدلت كلمه تعيين بكلمه نقل لكانت الصورة اوضح هذا قرار له اعتبارات اخرى لا علاقه لها بالتسويق والاعلان . وكما يقول المثل اللبناني “بدنا ناكل عنب بلا ما نقتل الناطور” والمثل المصري ” نص العمى ولا العمى كله ” والمثل السعودي ” يامن شراله من حلاله عله”
    .

    تحياتي لك وكل عام وانت بخير ورد على الاتصالات لو سمحت 🙂

  4. Abu Azooz

    بصراحة ماتفرق معي يابو عبدالعزيز ,, لان عكاظ ليست من صحفي المفضلة.

    أما بالنسبة لتوجه عكاظ وتوجه التونسي المتناقضين ,, فأتوقع ان واحد منهم بسيس (بتشديد الياء) الثاني على كيفة ,, هي الدنيا عاوزه كده 🙂

  5. هادي عثمان

    عكاظ..

    بصراحة لا أدري متى آخر مرة قرأت فيها هذه الصحيفة.. لأنها تحولت إلى صحيفة حوادث!

    حظا موفقا لرئيس التحرير الجديد

اترك تعليقاً