ميونخ .. البحث عن المعشوقة

عندما قررت السفر لمدينة ميونخ إثر نصائح عدد كبير من الأصدقاء العرب و الأجانب من الرجال و النساء ممن سبق أن زاروا هذه المدينة التي تفتنك من أول لحظة رغم أنها تشبه إلى حد كبير العواصم الأوربية الأخرى كتلك التي تزينت طرقاتها بالقصور الفاخرة و الكنائس المزركشه و الأسواق المكتظه بالبضائع الجميلة و الزوار
الأجمل و الذين قدموا لها من كل حدب و صوب.
لم أرغب في أن أدخل لهذه المدينة كسائح أو كمستكشف، فكل الناس تسعى لميونخ و في مخيلتها أحلاما و صورا يرغبون في تجسديها و إكتشافها سواحا لا يرتبطون بتلك الأرض و المكان بشئ، فقد فضلت و قد قطعت صحراء من بياض لا ينتهي أن أدخلها بعد رحلتي و الترحال كعاشق باحث عن محبوبته في أرض بعيده من بين وجوه الحاضرة و الغائبة، يتلفت يمينا تارة و يسارا تارة أخرى يبحث و يبحث عن ملمح قد يقوده لتلك الملاك التي ستأخذه لعالم السعادة و الفرح، تلك الجميلة التي طالما إنتظرته إشتياقا و بحث عنها هياما و عشق.
كان لي صديق ألماني و أنا في السادسة عشر من عمري تعرفت عليه في إحدي الصيفيات التي كنت أقضيها مع أسرتي في أيطاليا بين العام و العام، كان والده أحد تجار الحديد من الرأسماليين الذين إستطاعوا أن يكونوا ثروة من خلال التجوال في أوروبا ساعيا لبيع منتجاته و تسويقها على النطاق الدولي، وكان إبنه توماس و الذي كان يصغرني بعام على ما أذكر مولعا بعمل أبيه يحلم أن يكون مثله عندما يكبر لكي يبني إنجازات على إنجازات والده العصامي و الذي لم يرث هو بدوره من والديه إلا حب بلاده و إفتخاره بألمانيته.
تذكرت توماس عندما دخلت القسم الخاص بصناعات التعدين و الحديد في المتحف الألماني ، فشاهدت كيف كان و لايزال لهذا المعدن الثمين قدر و قيمة لدى الألمان، و كيف إستمر إفتخارهم به على الرغم من تميزهم أيضا بالتقنيات الجديدة و العلوم الدقيقة، فقد إستمر هذا المعدن بالنسبة لهم أحد ملامح عزتهم و تقدمهم، في وقت نظرت و تنظر كثير من المجتمعات الرجعية لهذا المعدن و المشتغلين به أنهم مجرد صنّاع من الطبقة الأدنى في مجتمعهم القبلي المقدس.
بعد خروجي من ذلك المتحف العظيم و الذي عرض بين جنباته دور الأمة الألمانية و مخترعوها في نهضة و تقدم الحياة الإنسانية في مجالات عديدة منها الطيران و الملاحة البحرية و الفضاء و التنقيب عن البترول و صناعة الآليات و المعدات الثقيلة و الكيمياء و الفيزياء و الأدوية و حماية البيئة و و و، أقول بعد خروجي من هناك أصبحت أقرب لفهم عقلية الديكتاتور الألماني أدولف هتلر في كونه كان مقتنع بأنه قادر على حكم العالم بأمته المكونه من جيوش من العسكريين و المخترعين و العقول و الأيادي التي هي الأقدر و الأكمل بالمقارنة مع الأمم الأخرى و التي ينقصها ما لدى الألمان من إفتخار بعقلهم و قدراتهم البشرية و الأممية كما كان يرى.
حوار الأديان هو عنوان أصبحنا نردده في السعودية من منطلق ببغاويتنا المعتادة، فنحن لا نفكر حينما نردد ما نسمع و لا نحلل المعاني التي نرددها كهذا دون وعي و فهم، فهل يعقل أن أن يكون هناك حوار مع لا تعرف عنه شئ؟؟ و يحرم عليك التقارب منهم و لو تكتيكيا بحجج يسوقها لنا حماة الحقيقة؟ و هل أحاور من لا أعترف بحقه في التواجد في أرضي؟ بينما مدينة ميونخ العظيمة و كجزء من جمالها المتنوع قامت بتخصيص متحف أسمته (متحف الإثنيات)، نعم كهذا عرفه لي مسئول المتحف عندما سألته عن طبيعة محتويات المتحف و هو متحف خصص أساسا للشعب الألماني لتعريفة و تقريبة من فهم الأديان و الأثنيات و الأقوم التي تعتبر بعيدة و غريبة لهم مثل بعض قبائل و شعوب أفريقيا و أقوام أمريكا اللاتينية و شعوب إستراليا الأصليون، إضافة للإسلام و الذي خصص له قسم كبير عرض فيه نسخا من القرآن الكريم و جداريات للفن الإسلامي و نماذج للخط العربي و أزياء مختلفة و نحاسيات و مذهبات مختلفة.
مقر الحزب النازي لازال قائما و أبنية و طرقات تذكر الألمان بأن لهم تاريخ عنوانه الهزيمة لازال شاخصا أمامهم و لكن رغم ذلك إمتد طريق (نوي هاوزي) حيث الحياة لا تتوقف للكبار و تبقى تستقبل الأطفال حتى الساعات المتأخرة من الليل في موعد مع أحلامهم التي تتلون بأمواج الإنارات التي زينت المكان و الزمان، في حين يخلد للنوم كل مساء شارع ماكسيميلان و متاجره الفاخرة بعد أن داعب أعين الشقراوات و محافظ نقود أصحاب المناصب، ففي حين تولد ساعة الصفر على معصم شاب إبتاع للتو ساعة بثلاثين ألف يورو يقتل في ذات الوقت ثعلب ليزين به أكتاف سيدة في الستين و لكنها تبدو و كأنها إحتفلت للتو بعيد ميلادها الثلاثين، فلدى الألمان جينات تتحدى الزمن أو هذا ما حاول هتلر أن يحققه.
عندما يكون مرشدي السياحي و في مدينة كانت رمزا للعنصرية لسنوات شخص من أصول إيرانية لا بد لك أن تتوقف قليلا و تتأمل، و عندما تبحث عن حلاق يقوم برسم ملامحك وفق ما تعودت عليه لسنوات و تجده هناك في محل صغير و لكنه مكتظ و مزدحم بالحلاقيين العراقيين فهذا يجعلك تبتهج فسيعود وجهك كما كان، و حينما تجد نفسك وسط قاعة إنتظار في سينما صغيرة في شارع شبه رئيسي إزدحم بعدد كبير من المتحدثين باللغة الإنجلزية لمشاهدة فيلم لم تطاله الدبلجه الألمانية فإنك تتأمل المكان و تنظر في وجه من معك و تبتسم فأنت في وسط ماكن مليئ بالحياة.
عشقت هذه المدينة لأنها تقف أمامك بوجهها دون أن تحاول أن تخفي حقيقتها، فهي تعرض لك عظمت عقلها بكل تواضع و هدوء و تتبختر أمامك بغرور من لديه إرث تجلى في مكان إسمه “عالم بي إم دبليو”، و تداعب عيون الرجال بتمايلات إخترعتها شقيقات كلاوديا شيفر و هايدي كلوم و تبعث عبر المسافة قبلات دافئة ولدت من رحيق ذلك الشتاء البارده بأنفاسه المتجمده و روحة التي لا تتوقف عن مغازلة الهائمين في الأرض.


أرسلها عبر الفيس بوك
انشرها عبر تويتر

عزيزي زائر المدونة أشكرك على تلطفك بالمحافظة على النقاش الهادئ و المتزن و الهادف للإستفادة و الإفادة. تحياتي ... ياسر

2 responses to “ميونخ .. البحث عن المعشوقة”

  1. Loura Preissner

    I just want to mention I am just all new to weblog and actually liked this blog site. Very likely I’m going to bookmark your blog . You surely have exceptional stories. Thank you for revealing your web site.

  2. Tweets that mention ميونخ .. البحث عن المعشوقة -- Topsy.com

    […] This post was mentioned on Twitter by Yasser Alghaslan , AllBlogs and Yasser Alghaslan . Yasser Alghaslan said: في مدونتي:ميونخ .. البحث عن المعشوقة http://wp.me/slzT0-munich […]

اترك تعليقاً