في زمن اللا أخلاق و اللا منطق و في وقت أصبحت الدول تهدم كجزء من عملية البناء التاريخي، في مثل هذه الظروف الغير سوية ليس من الغريب أن نشهد تكالب المشاكل دفعة واحدة على أمريكا و بشكل متتالي و انسيابي، فمنذ أن اجتاحت القوات الأمريكية العراق تزايدت مشاكل أمريكا الداخلية و الخارجية بشكل ملحوظ و متزايد، فمن تبعات الإرهاب و ضبابية العدو و عدم القدرة على تحقيق نصر حقيقي في العراق أو في أفغانستان إلى مشاكل طبيعية و بشرية و اقتصادية تواجهه هذه الدولة العظيمة عسكريا و بمسببات ذاتية و طبيعية، فنجد على سبيل المثال موجة
الأعاصير المدمرة و التي بدأت تجتاح الأراضي الأمريكية منذ إعصار كاتيرينا الشهير عام 2005 عندما دمر ذلك الإعصار مدينة (نيو أورليانز) و ما تبعه من أعاصير سياسية نتيجة سوء إدارة الرئيس بوش للأزمة الناتجة عن تشريد عدد مهول من سكان المدينة و عدم وجود تجهيزات منظمة لمواجه الكوارث كما كان الشعب الأمريكي يتوقع خصوصا بعد كابوس هجمات 11 سبتمبر و ما خلقه ذلك الحدث المهول من إحساس وطني بضرورة التجهيز لكافة احتمالات تعرض أمريكا لكوارث بشرية أو طبيعية.
بالمقابل نجد أيضا استمرار تراجع شعبية أمريكا كدولة مصدرة لثقافة عصرية بحيث أصبحت كثير من الدول و الشعوب التي كانت ترى في أمريكا و نظامها السياسي و الاقتصادي نموذجا للتقدم و الحضارة على أنها نموذج حي للفساد و النفاق السياسي و الكيل بمكيالين خصوصا في المواقف التي تتخذها من قضايا أصبح الحق فيها واضح وضوح الشمس كموقفها من القضية الفلسطينية و دعمها الغير محدود و الأعمى لإسرائيل.
لم تتوقف مصائب أمريكا عند هذا الحد بل تجاوزت الطبيعة إلى انقلاب نظام رأسمالي صنعته أيدي أبنائها من تجار و سياسيين و متنفذين لأجل أن تحكم به العالم و أصبح نظاما كُشف به نقطة الضعف الحقيقية لهذا البلد بحيث شلت قوتها الاقتصادية و ذُلت أمام العالم، و ما زاد الطين بله هو الموقف المخزي للسياسيين و الماليين الأمريكان في التعاطي مع الأزمة و عدم قدرتهم على إيجاد حلول طويلة الأمد لتبعات الأزمة و التي قد تعيد للأذهان ما أصاب الشعب الأمريكي من فقر و إذلال إبان أزمة الكساد العظيم و التي ضربت أمريكا في عشرينيات القرن الماضي.
و بعد أن كانت أمريكا القوى الوحيدة القادرة على الهيمنة على مقدرات الشعوب و قراراتهم السياسية و الشعبية نرى دولا تتحدى بلا خوف من هذا الشبح الذي أخاف العالم لسنوات طويلة، فإيران تتحدى أمريكا كل يوم من خلال إصرارها على تمسكها ببرنامجها الخاص بتخصيب اليورانيوم و دعمها المعلن و الغير محود لحزب الله و سوريا و تدخلها الصارخ و اليومي في الشأن العراقي الداخلي و حملتها المنظمة لهيمنة شيعية قادمة على منطقة سنية في أغلبها، كما نجد فنزويلا تتحالف مع روسيا عسكريا و نوويا في مشهد يذكرنا كثيرا بأزمة الصواريخ الكوبية عام 1961 و حرب خليج الخنازير، إلى كوريا الشمالية التي أعادت تفعيل برنامجها النووي ضاربة عرض الحائط قائمة مثلث الشر الأمريكية الخاصة بدولة داعمة الإرهاب.
لعل كل هذه المصائب التي تتالت على أمريكا افقدتها كثير من الثقة بالذات و لا أدل على ذلك من خضوعها لوقائع سياسية طالما كانت ترفضها مثل المصالحة مع القذافي و الذي تعتبره اليوم و يا للمفارقة العجيبة أحد الحلفاء في وجه محاربة الإرهاب في وقت كانت في السابق تعتبره الإرهابي الأول في العالم و هو أمر دفع كثير من الأصوات داخل أمريكا للمناداة بانتهاج منطق الحوار مع كل من سوريا و حزب الله و الذين يصنفون اليوم كجهتين داعمتين للإرهاب كما كانت ليبيا في الماضي.
كما أن تخليها مجبره عن الدور الرئيسي كوسيط في مفاوضات السلام الإسرائيلية العربية لصالح تركيا و الإتحاد الأوربي لهو دليل على ضعف واضح في القدرة على المحافظة على موقع الريادة العالمية لصالح بزوغ قوى أوربية أكثر واقعية و قدره على التعامل سياسيا من منطلق حيادي مع القضايا الأكثر حساسية وأهمية إستراتيجيا على المستويين السياسي و الاقتصادي.
بعد كل ما ورد هل من المنطقي التساؤل عن ما إذا كان ما يحدث لأمريكا هو الفصل الأول لمسرحية إنهيار إمبراطورية حكمت العالم لأكثر من سبعين عاما، أم ان ما يجري من أحداث و تقلبات مختلفة ما هي إلا عملية تبديل الجلد القديم و تنظيف بشرة متهالكة ليعود بعد ذلك قادرا على مواجهة أخطار محيطه و بث سمومه من أجل هيمنة متجدد لعالم لا يمكن أن يحكم إلا بمنطق القوي عديم الرحمة و الإنسانية، و إن كان كذلك فمن يا ترى يقوم بضبط إيقاع تلك الأحداث و يتحكم بحركة دولة بقوة أمريكا من خلال تسيير إقتصادها و تحريك محيطها القريب و البعيد؟
———————–
(جون وايتهيد John Whitehead رئيس معهد روذرفود The Rutherford Institute المتخصص في الحياة المدنية في الولايات المتحدة الأمريكية يتحدث عن أوجه الشبه بين ما تواجهه أمريكا اليوم من أزمات و ما واجهته الإمبراطورية الرومانية فيما مضى و كيف أدى ذلك إلى إنهيارها و بالتالي إضمحلالها).
It’s awesome to pay a visit this web page and reading the views of all mates
regarding this article, while I am also keen of getting know-how.
I simply want to say I am newbie to blogs and absolutely loved this page. Probably I’m likely to bookmark your blog . You actually have incredible well written articles. Kudos for sharing your webpage.
اسلوبك في طرح الموضوع اكثر من رآئع .. وإلى …
مزيد من التألق والتميز .
رسمت المشهد السياسي اليوم مثل فنان يحمل فرشاة عظيمة، هنيئاً لك على هذه المقدرة.
أعتقد أن انهيار أمريكا -في حال حدث- سوف يعطل العالم لفترة ليست بسيطة، فكثير من الأنظمة والتعاملات العالمية تشبثت بوجود هذا الكيان الأمريكي وفي حال وقع سوف يعاد ترتيب الكثير من الأوراق، هناك من سيطفو على السطح وعلى العكس من ذلك هناك من سيغرق مع الولايات.
ونحن في السعودية نعتمد بشكل شبه كلي على مصالحنا المشتركة مع أمريكا حين نتحدث عن الاستعداد العسكري والاقتصادي، والله أعلم ماذا سيحصل لنا حينما يتهاوى النسر الأمريكي، وفي نظري أننا من الأجدر أن ننظر في علاقات أكثر اتساعاً مع مصالح مستقرة في ظل هذا التخبط الأمريكي الملحوظ.
الأستاذ الفاضل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذا الانهيار المالى الاقتصادى الذى تعانيه الولايات المتحدة هو سقوط لبنة جديدة من تلك البنيان الذى أسس على سفك الدماء والإبادة واحتقار الآخر …
التاريخ يعيد نفسه، فقد حدث الكساد قبل مئة عام لنفس السبب. والحروب معروف انها اكثر ما يستنزف ميزانية اي دولة… قد تكون هذه نهاية امريكا الحالية… مع محاولة قيام روسيا مرة اخرة… و تربع الصين علي عرشها كدولة عظيمة… الله وحدة العالم.
عن نفسي، لا اعتقد ان امريكا ستقع… الان علي الاقل… ولكنها ستقع في يوم من الايام… كاي دولة علي مر التاريخ